ركبت سيارة البيجو متوجهاً إلى ذمار، كان فيها راكبان وأنا الثالث، استرخيت قليلاً مستغلاً الفراغ، ثم تبادلت أطراف الحديث مع السائق والراكبين في القضايا العامة والخاصة، كانت سفرة ممتعة، سائق مرح، ركاب لطفاء وعلى درجة من الوعي، وصلنا نقطة نقيل سمارة التي يشرف عليها الأمن المركزي، وقف السائق، مد أحد الجنود يده اليسرى باتجاه السائق، التفت إليه السائق مستغرباً ماذا يريد، دلك الجندي إبهامه بالسبابة في إشارة إلى المطلوب، فهم السائق فقال له أنا راجع إلى تعز والركاب هم إلى معبر وذمار لو الحملة كاملة "من عيني" قال له "على جنب" قال الله يخليك يا فندم "كم الديك وكم مرقه" "الله يحفظك ما بش معي ركاب" "الله يستر عليك" والجندي يكرر عليه بعد كل عبارة "على جنب". المهم وقف السائق وهو يبرطم ببعض الكلمات الدالة على انفعاله وقال لنا "حد معه صرف"، نزل يفاوض الجندي فقلت في نفسي يمكن أن يعطي له 100 أو 200 ريال بالكثير، عرض عليه السائق 500 ريال فظننت أن الجندي سيطير فرحاً، لكنه رفض وهو متجهم الوجه وتوجه إلى البقالة والسائق يجري وراءه من مكان إلى آخر يستلطفه ويتوسل إليه ونحن منتظرون في حر الظهيرة نشاهد فيلم الرعب، بعد لحظات عاد السائق قلت الحمد لله، قبل الجندي ال 500 ورحم السائق المسكين، تمتم السائق ببعض الشتائم الجارحة، فقلت له كم أخذ منك؟ قال الف ريال، فقلت له ما معك إلا ثلاثة ركاب كم سيبقى لك من الأجرة؟ فقال "أيش افعل؟" صمت وأنا أرى أمامي مشهد ابتزاز وذل لمواطن على أرض وتراب وطنه، وممن؟ من جندي يفترض أنه وجد للدفاع عنه وحمايته! بعد قليل قلت للسائق لماذا يبتزونكم هكذا؟ فقال لي "أنا فعلت فيه خير! معه عيال"! صدمت من إجابته، وقلت له لكنه أخذها منك غصباً فقال "لا والله إنه خير"، فقلت في نفسي الرجل جنن أو بالأصح أنا المجنون لأنه "سدّ هو وعقله" فلماذا أجبره على أن يعيش مأساته، وتذكرت شتائمه الجارحة للجندي بعد دفعه للإتاوة، وقلت في نفسي، السائق تصالح مع نفسه ليتمكن من العيش ودفع الأتاوة في اليوم التالي، لأنه لو ظل يفكر مثلي لأصيب بنوبة قلبية بعد ثلاثة مشاوير فقط من نقطة الأمن المركزي في سمارة. إلى اللواء فضل القوسي قائد قوات الأمن المركزي: استبشرنا خيراً بتعيينكم وأشدتُ أنا شخصياً بك في أحد المقالات السابقة بسبب رفضك تنفيذ بعض التوجيهات التي قيل إنها صدرت إليك بإحضار مجموعة "بلاطجة" من الحداء وعمل خيمة أو ما شابه أيام الثورة في 2011 ليمارس منها الاعتداء على من في الساحات كما فعل بعض القادة العسكريين بل وبعض المسؤولين المدنيين أمثال حافظ معياد للأسف الشديد، صمدتم في تلك الأوضاع وحافظتم على وظيفة البدلة الميري التي تلبسونها. نعلم كذلك بالجهود التي بذلتموها لتحسين الأوضاع المعيشية للجنود بعد تعيينك وغيرها من الأمور التي لا مجال لذكرها هنا، لكن يظل السؤال ما هي إنجازاتكم في ما يتعلق بعمليات الابتزاز العلنية التي يمارسها بعض أفراد وضباط الأمن المركزي في مختلف النقاط وخصوصاً نقطة نقيل يسلح؟ هل تعلم أن تلك النقاط هي واجهة الأمن المركزي لدى المواطن وأنه يراكم من فتحة برميلها؟ هل تعلم أن هناك انطباعاً سيئاً جداً لدى المواطنين إزاء الأمن المركزي يتراكم لديهم كلما مروا من تلك النقاط؟ لا يمكنكم أن تحققوا أمناً طالما ظلت العلاقة بهذا الشكل بينكم وبين المواطن. الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت أن الأمن بحاجة إلى تكامل وودّ في العلاقة بين المواطن والأجهزة الأمنية لا إلى ابتزاز وشغل العصابات. وكحد أدنى إذا لم تتمكنوا من الحد من تلك الظاهرة فعلى الأقل نطالب بعودة أسعار الأتاوات إلى سابق عهدها- ما قبل أحداث2011- خصوصاً وأن سعر الدولار والريال السعودي هبط عما كان عليه أيامها، أم أن الأمن المركزي مرتبط بسلة عملات أخرى؟