أ.د. محمد عبدالملك المتوكل: شهد المجتمع العربي مسيرة الربيع العربي الذي عصف بزمهرير الأنظمة الاستبدادية التي ظنت أنها قد أمنت نفسها من كل تقلبات الزمان وتبدلات الأجواء وأحلام العساكر وتحركات الشعوب وتشاعيب المثقفين. فالأولاد قد كبرت، والفلوس قد توفرت، والعصي جاهزة، والسجون مؤمنة، وعزرائيل في الوجود، سواء في كاتم صوت أو قلبة سيارة أو صدمة موتر سياسي، أو لله جنود من عسل. سخر المستبدون من رياح الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر واليمن أخيرا، والحكام في كل المناطق يتصورون قبل أن يصلهم الربيع أنهم أقدر على مواجهته ممن سبقهم، وأثبتت الأيام والأحداث أنهم كانوا واهمين، وأنهم عجزوا عن إدراك أن الزمن قد تغير، وأن المجتمع قد تحول. اليوم يلاحظ في هذه المناطق أن الأحزاب الأيديولوجية تريد أن ترث الأرض ومن عليها، وتحت شعار ما الأرض إلا لنا وحدنا، وهي بذلك ترتكب خطأ من سبقها، وعليها ستدور الدوائر، لأن المجتمع لم يعد يقبل أشخاصاً ولا فئات ولا أحزاباً تسعى للانفراد بالحكم، وما يجري في أفغانستان ومصر والسودان وتونس وأخيرا تركيا مؤشر يجب أن يدرس بعناية من قبل الأحزاب الأيديولوجية، قبل أن يقع الفأس في الرأس، وعلة نفسها جنت براقش. بدون الدولة المدنية الديمقراطية، لا مجال للاستقرار، وليكن شعارها قول الله: "وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل". يا مؤتمر الحوار، بلاش عبث. ركزوا أولا وقبل كل شيء، على بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، ابتداء من بناء جيش وطني يتم الاتفاق على أسس بنائه وأماكن تموضعه ومعايير اختياره من كل المناطق، ويتم إبعاده عن نفوذ كل الأحزاب. ويتم الاتفاق على إقامة قضاء مستقل وعادل لا علاقة له بالأحزاب. ويتم تصحيح الدستور الذي يؤكد المواطنة المتساوية، وبشكل خاص النساء والمواطنون غير المسلمين، ويتم ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة وآمنة، وتقام الدولة، ومعها نناقش كل الظواهر في الشمال والجنوب، وفي إطار سيادة القانون. وهذا يتطلب أن يؤكد جمال بن عمر أنه ابن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لا عمرو بن العاص رحمه الله. وصدق الله القائل: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".