قال خبراء ومراقبون ان اللواء المنشق علي محسن الأحمر في حوارا صحافيا مطولا عشية انعقاد المؤتمر الوطني للحوار، أكد أمرين اثنين في غاية الأهمية بالنسبة للحوار الوطني ومخرجاته المتوقعة أو المفروضة سلفا! الأمر الأول وبحسب قراءة القيادي في الاشتراكي محمد المقالح : أن الجنرال باقٍ في موقعه السياسي والعسكري الى أجل غير منظور، وأن ما سمي –رسميا- بقرارات الهيكلة التي أصدرها الرئيس هادي مؤخرا لا تعنيه، ولم تكن تستهدفه أصلا، بقدر ما كانت تستهدف تعزيز نفوذه أكثر وأكثر. الأمر الثاني وفقا للمقالح هو أن علاقة الجنرال المنشق مع فخامة الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير عبد ربه منصور هادي، علاقة "تحالفية"، وأن هذه العلاقة قديمة، وجذورها تعود الى ما قبل الوحدة، وإلى أحداث 1986 في جنوب الوطن. والأهم أن الرئيس الانتقالي كان على علم مسبق بانضمام "محسن" إلى الثورة قبل إعلان انشقاقه عن صالح، ليس هذا وحسب، بل إنه -أي الجنرال- على تواصل مستمر ويومي مع الرئيس هادي، ومع كل مكونات السلطة الانتقالية، باعتباره جزءاً منها وأحد أطرافها، وإن لم يدعِ -صراحة- أنه القائد الفعلي للمرحلة الانتقالية كلها، وللعهد "الجديد" بكامله. يستطرق المقالح في سياق توصيفه للوضع : حوار الجنرال المنشق والمثير للجدل، والمنشور في صحيفة سعودية، وقبل أيام من موعد المؤتمر الوطني للحوار (18 الجاري)، كان هدفه بالدرجة الأولى هو حسم موضوع الجدل الدائر من قبل شباب الثورة وبعض الأطراف اليمنية التي تطالب بتنفيذ النقاط ال20، وبضرورة إنهاء حالة التجاذب والانقسام داخل القوات المسلحة، وإقالة مركزي الانقسام القيادي فيها (محسن وأحمد علي)، وإخراج كل قوى الفساد والاستبداد والبطش للنظام السابق قبل انعقاد المؤتمر، وكشرط من شروط إنجاح الحوار الوطني، وأحد عوامل تطمين الأطراف الأخرى بجديته، وبإمكانية أن يصل إلى نتيجة إيجابية.. و... الخ. وقد جاءت رسالة محسن بهذا الخصوص واضحة وحاسمة لكل من يتوهم من هؤلاء "... أنا باقٍ في موقعي العسكري، وفي موقعي القيادي في الدولة، ومن قرح يقرح"!
تصريحات الجنرال الأخيرة بهذا المعنى، وبما يستهدف تكريس وجوده الفعلي في المشهد السياسي -وليس فقط العسكري- كقوة موجودة على الأرض، وكطرف من أطراف العملية السياسية في المرحلة الانتقالية، وما بعدها، لا تختلف البتة عن رسالة مكملة أخرى كان بعثها التجمع اليمني للإصلاح نفسه إلى الحراك الجنوبي في مهرجان 21 فبراير الماضي، وكمحاولة واضحة منه لإعادة تقديم نفسه في الجنوب كطرف في المعادلة الجنوبية أو ممثل لها -إن أمكن- عشية الحوار. والفرق هنا هو أن رسالة "الإصلاح" هذه المرة قد جاءت عبر "الشرق الأوسط"، وبلسان اللواء علي محسن شخصيا، وكانت -وهو الأهم- موجهة إلى أطراف في الشمال، وتحديدا في شمال الشمال، وفي ساحات الثورة الشبابية أيضا.
هكذا إذن يبدو المشهد السياسي اليمني عشية انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، مثلما كان طوال العام الماضي أيضا... رئيس جمهورية ضعيف ومتحالف سرا مع قوى نافذة -أو هكذا يبدو المشهد- وحكومة انتقالية أضعف منه، مقابل قوى عسكرية وقبلية وأصولية نافذة وموجودة على الأرض، وتعمل على إنتاج نفسها وتحالفاتها، وهي ذاتها تحالفات العهد السابق بكل رموزه وتكويناته، مع إبدال صالح بهادي، ولكن بما يجعل التاريخ أكثر هزلية وسخرية أيضا.
هذا التحالف القديم الجديد يسعى اليوم حثيثا -وبوقاحة حينا- وعبر مهرجان ساحة العروض وتصريحات محسن، إلى السيطرة والتحكم بكامل المشهد السياسي اليمني بعد ثورة 11 فبراير 2011، بل ويعمل منفردا لرسم معالم المستقبل وتحديد مآلاته نيابة عن بقية الشركاء، وعن المتحاورين، وقبل أن يتحاوروا، وضدا على مطالبهم وقضاياهم.
محسن لم يكن في عهد صالح سوى أحد مسامير نظامه الباطش، وهو اليوم كذلك، حتى ولو ادعى غير ذلك، وقال إنه كان الرجل الأول فيه، والفرق الوحيد والجوهري -إن شئت- هو أن التجمع اليمني للإصلاح لم يعد أحد مكونات النظام الحاكم الرئيسية، بل هو النظام الحاكم نفسه، وهو وحده وبغلاف المشترك والثورة -وليس بقوة الفرقة الأولى مدرع- من يمنح محسن هذه الجرأة التي تحدث فيها عن دوره السياسي في العهد الجديد، وهي جرأة تصل اليوم حد الصفاقة، خصوصا حين يتحدث "مهددا ومتوعدا" لكل من يختلف مع سياسة وممارسات التجمع اليمني للإصلاح، مستقويا بقوة الدولة والجيش تارة، وبالتهديد بالعنف وتفجير الصراع تارات أخرى، وتحت عناوين مختلفة مرة تحت عنوان الحفاظ على الوحدة في الجنوب، وأخرى لإيقاف المد الإيراني في الجنوب والشمال، في حين أن الهدف هو استكمال السيطرة على مؤسسات الدولة خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وعلى خلاف كل بنود المبادرة وآليتها المزمنة، وضدا على كل ما يفترض أن مؤتمر الحوار يستهدف إنجازه وإخراج اليمن من أزمتها المركبة.
لا يمكن أن يكون محسن وتصريحاته "الصاخبة"، فضلا عن استمرار انقسام الجيش، مؤشراً إيجابيا لإمكانية إنجاح الحوار الوطني، بل هي وما حملته من رسائل في ساحة العروض، وعبر صحيفة "الشرق الأوسط"، محاولة مكشوفة لفرض الأمر الواقع على الجميع، وورقة ضغط تهديد لغالبية المشاركين في الحوار، وبهدف خفض مطالبهم.
كما أن إبراز محسن في كل مرحلة هامة ودقيقة يمر بها اليمن، ليس له من نتيجة سوى تسعير الصراع والحروب الداخلية، وإعادة تقديمه كورقة تهديد في أيدي الإصلاح، وبغطاء المشترك، لأمن واستقرار اليمن والمنطقة عموما، وما استدعاء إيران "ونفوذها" في اليمن في كل شاردة وواردة في خطابات رموز التحالف الحاكم خلال الأيام الماضية، إلا مؤشر لصراع داخلي عنيف، ليس فقط داخل القوات المسلحة نفسها، أو باتجاه الأطراف التي يعتقد محسن وحلفاؤه أنها "عدو" لا شريك، بل وباتجاه تحويل الانقسام والخلاف السياسي الى انقسام عمودي وطائفي مدمر.
يبقى أن نقول أو نتساءل: كيف يمكن أن نفهم صمت القائد الأعلى للقوات المسلحة تجاه شخص يفترض أنه قائد عسكري منضبط، ولكنه في نفس الوقت يقوم بدور سياسي وحزبي علني، وبدون رتوش أو أغطية؟
أليس هذا دليلاً آخر على أن الرئيس هادي اليوم يصر بصمته وسلبيته على أن يكون جزءاً من المشكلة والصراع الانقسامي بين اليمنيين، أو غطاء له، لا كما يفترض فيه باعتباره جزءاً من الحلول أو مسؤولاً عن الوصول إليها، وعن إنجاح الحوار الوطني، وتوفير كل أسباب وعوامل نجاحه، بما في ذلك إيقاف وإقالة قائد عسكري منشق تحول بين ليلة وضحاها الى طرف سياسي وحزبي صراعي ومسعر للحروب والانقسامات الوطنية، وبكل وقاحة، وعلى مرأى ومسمع الجميع.
اقرأ في يمن لايف سقطة للقضاء اليمني على يد " آل صالح "
يمن لايف : أقرت المحكمة الابتدائية الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة صنعاء ، اليوم ، إلغاء قرارها السابق بإيقاع الحجز التحفظي