,, الكتابة عن الحرس ليس من باب التعاطف الإنساني أو الاجتماعي فحسب، بل والحفاظ على التاريخ العسكري اليمني، حتى لا يجري عليه التشويه المقصود ,, تأتي قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، ضمن التشكيلات العسكرية للقوات المسلحة اليمنية العريقة، التي تمثل الامتداد الطبيعي لعملية الدمج العسكري الكامل، لوحدات جيشي اليمن عام 1990م - 1995م، إلاّ أن وحدات الحرس الجمهوري لم يتسنَ لها أن تتميز بهذا المصطلح العظيم - داخل المؤسسة العسكرية اليمنية - كقوة عسكرية نوعية، متشبعة بالروح المعنوية العالية، والقيم الدينية والوطنية، والاحتراف المهني، في أداء الواجب والمهام، على مسارح العمليات القتالية والأمنية، وبما يرقى بها إلى مستوى شرف الجندية، والولاء العسكري، ويحفظ لها كيانها وطقوسها وتقاليدها العسكرية الخاصة، التي ترقى بها إلى مستوى الجيوش العربية المتقدمة، كوحدة فريدة من نوعها، بين وحدات الجيش اليمني، تزاحم بمهاراتها وخبراتها العسكرية والأمنية المكتسبة، مصاف الجيوش النظامية في العالم، إلاّ في السنوات القليلة الماضية، وتحديداً، عام 2000م على خلفية التغييرات الجذرية الحاصلة، في طبيعة تركيبها وتشكيلها العسكري، وموقعها القتالي، ومن ثم رؤيتها ورسالتها الوطنية، بأبعادها الإنسانية والأخلاقية والعسكرية المهنية، ضمن منظومة مشروع التغييرات الجذرية التي شملت الجهاز الإداري للدولة، بما فيها القيادات العليا التي امتلكت ذلك النوع من الإرادة والعزيمة، ومن ثم القدرة على تحمل المسئولية التاريخية، للوصول بها إلى ما يجب أن تكون عليه، وصولاً إلى القيادات الوسطى والدنيا، وانتهاءً بالجوانب المهنية والإدارية العالية، المتبعة في إعادة تأسيسها ومتابعة نموها وتطورها، التي تم فيها مراعاة كافة الشروط العسكرية، المتعارف عليها في بناء وتكيُّف حياة الجيوش، والمعمول بها في تنظيم الهياكل التنظيمية والتشريعية والرقابية والمالية، وآلية اختيار عناصرها وبرامج وخطط تدريبها، وطريقة معيشتها، وصولاً إلى الأبعاد التنموية المنشودة، وفقاً لطبيعة ونوعية المهام الملقاة على عاتقها في المرحلة الحالية والقادمة، مع مراعاة الخصوصية الوطنية. وهو الأمر الذي يجعلنا – اليوم - نقف بالفعل، أمام حقيقة مذهلة من أهم حقائق التاريخ اليمني المعاصر، تتجلى صورها ومشاهدها أمام عمل عسكري نوعي فريد، يدلل على طبيعة ومستوى وحجم الجهود المضنية، التي بذلت ومازالت تُبذل، بدون كلل ولا ملل، وبنفس درجة الإيمان والإخلاص، ومن ثم الحرص والشفافية، التي كانت حاضرة عند نقطة البداية، في قلوب وعقول قادة ورموز التيار النهضوي التغييري داخل السلطة، الممثل الشرعي والوحيد للتيار الوحدوي، وهم يؤكدون العزم والتصميم ويحثون الخطى نحو تحقيق واحدة من أهم الحقائق الرئيسية التي أصبحت جزءاً مهماً في التاريخ اليمني الحديث، مفادها أن اليمن أصبح بإمكانه ومن حقه أن يمتلك جيشاً نظامياً وطنياً مهنياً، يرتقى إلى مستوى متطلبات المرحلة القادمة، تمثله قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، والوحدات الأمنية الأخرى، لدرجة يصبح بموجبها مفخرة لأبنائه بصورة عامة، ولمنتسبيه والمنتمين إليه بصورة خاصة، بل و يكون أنموذجاً حياً يحتذى به في مسيرة التغيير والنهضة التنموية القادمة، بمقوماتها الأمنية، وبالأخص الأمن البحري، وتأمين الشريط الساحلي وما يجاوره من مناطق حيوية، طبقاً لما تمليه أولويات المصلحة الوطنية العليا، من ضرورة المرحلة القادمة، لتتحول اليمن بموجبه، إلى دولة بحرية عظيمة، قادرة على تأدية كافة المهام الحيوية، المناطة بها في حماية وضمان تأمين حدودها، وثرواتها البحرية الطبيعية، والصناعية والمعدنية، التي ستسهم وبدون أدنى شك، في تحويل اليمن إلى أهم رافد من روافد التنمية الشاملة، وذلك باعتبار أن هذا التحول لليمن وجيشها الوطني، هو الضمانة الأساسية لاستمرار تنامي، طبيعة ومستوى وحجم الاستفادة المنشودة، التي وفرها الموقع الاستراتيجي المسيطر، والحدود البحرية الممتدة.. وهذا - بحسب اعتقادي ما أوجب إعادة النظر في تموضع الجيش، وطرق وأساليب انتشاره، على الخارطة اليمنية، تجعل وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، تتحول – وبنظام الهيكلة – من خطة الانتشار المركزي المحدود، إلى خطة الانتشار المتناهي، للوصول إلى حدودها القصوى، لحماية وضمان تأمين خطوط الملاحة البحرية الدولية، الأكثر أهمية وحساسية في العالم، وتلبية كافة احتياجات السفن الحربية والتجارية وطواقمها العابرة لمياه خليج عدن والبحر الأحمر وما يجاورها، في ضوء ما تمليه أولويات المصلحة الحيوية للدول المعنية، صاحبة المصلحة المشتركة بهذا الشأن، الذي أصبح أكثر أهمية وإلحاحاً- إلى حد كبير- في ضوء ظهور متغير إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية، كمرتكز أساس من مرتكزات الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، والتي وفرت أمام اليمن فرصة ذهبية نادرة لإمكانية إحداث هذه النقلة النوعية في الواقع اليمني، بأقل وقت وجهد وتكلفة ممكنة، لتأمين انتقال أو انتشال اليمن من أزمته السياسية الطاحنة، إلى بر الأمن والأمان المنشود، وتحقيق مقومات الأمن والاستقرار، الذي أضحى من أهم المعالم الرئيسة الحاكمة لأركان الدولة المدنية الحديثة، في ضوء خارطة الطريق اليمنية الجديدة المتوقعة والمحتملة، التي سوف تنبثق عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل القادم، خصوصاً وأن خارطة الطريق الخاصة، بمسارها العام والخاص، قد اتضحت معالمها الرئيسة ولم يتبقَ منها سوى بعض التفاصيل المهمة، التي ستخضع للحوار الوطني الشامل، بين جميع مكونات المجتمع اليمني، وطاقم إدارتها من عناصر التيار الوحدوي وركابها من أبناء الشعب، الذين ينتظرون تلك اللحظة التاريخية، بفارغ الصبر، والتي سيتم الإعلان فيها عن قيام دولة المؤسسات والنظام والقانون. وهو ما يجعلنا نجزم بأن هذا الأمر، لم ولن يكون وليد اللحظة التاريخية، بل هو في الأساس امتداد طبيعي لحالات الحراك الحادة التي شهدتها وتشهدها البلاد، منذ ما يزيد من عقد من الزمن، ضمن إطار استراتيجية وطنية، بأبعادها الإقليمية والدولية، كانت ومازالت معدة لمثل هذا الغرض، في ضوء استمرار تنامي حالات التغييرات الجذرية الحاصلة في واقع المؤسسة العسكرية والأمنية، بالاستناد إلى مؤشرات حركة التغيير شبه الصامتة التي تتصدرها عناصر التيار الوطني المعتدل، تمثلت في مؤشرات مهمة ومحطات بارزة نحو ولوج مرحلة دولة النظام والقانون المنشودة.. بالشراكة الوطيدة، مع عناصر التيار التحديثي التحرري، التي يقف على رأسها الرئيس السابق علي عبدالله صالح والذي اتضحت أهم معالمه الرئيسية بجلاء في الإقدام المركز، على خوض غمار إرهاصات شاقة لتأسيس أهم مكون عسكري في الدولة المنشودة، على أسس وطنية ومهنية طموحة، والمتمثلة في وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وما يرتبط بها من وحدات أمنية جديدة، بجانب باقي المكونات العسكرية الأخرى، لتحافظ على التوازن السياسي، وتحقيق الأمن النسبي، فيما لو تعرضت عملية التغيير لانتكاسات حادة، أو غير مرغوبة، وفي الوقت نفسه يكون لتلك القوات دورها المحوري في العملية التنموية القادمة- وفقاً- لطبيعة ومستوى وحجم المهام الموكلة لها بهذا الشأن، وقد برز ذلك بصورة واضحة، من خلال الأحداث المتسارعة والتنقلات المتتابعة لقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وإعادة انتشارها على الخارطة الجغرافية اليمنية، والتي جعلتنا نعيد النظر في الموضوع برمته، وذلك من اتجاهين: الأول، يرمي إلى تحويل الجزء الأكبر والمهم من وحدات الجيش اليمني، إلى القوات البحرية والدفاع الساحلي وخفر السواحل، لتتمركز مقراته وقياداته الرئيسية، على طول الشريط الساحلي والجزر، ضمن إطار استراتيجية وطنية أمنية متكاملة، الأبعاد والجوانب، ليصبح اليمن بمقدورها فرض سيطرتها شبه الكاملة، على حدودها البحرية، وفي نفس الوقت ضمان تأمين مياهها الإقليمية، وثرواتها البحرية وحماية أمنها القومي، وصولاً إلى حماية خطوط الملاحة البحرية الدولية على طول شريطها الساحلي. في حين الاتجاه الثاني يتمحور حول اختيار المؤسسة الدفاعية والأمنية، المتمثلة في قوات الحرس الجمهوري والوحدات الأمنية الجديدة، القادرة على تأمين الحدود البحرية وإيقاف كافة أشكال الجريمة المنظمة وغير المنظمة العابرة للحدود، وصولاً إلى فرض قوة النظام والقانون بصورة تفضي إلى استتباب الأمن والاستقرار في البلاد، وتسهم بفاعلية متعاظمة، في جذب وحشد ومن ثم التركيز على فتح فرص الاستثمارات المطلوبة، بكافة صورها وأشكالها، المثمرة، والتي من خلالها يمكن لليمن ولوج مرحلة التنمية الشاملة، باعتبارها المدخل الأساس للانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة المنشودة. * المنتصف