بينما تحاصر الفوضى السياسية والحرب الطائفية بلاده، دعا وزير الخارجية اليمني دول الخليج العربي لتقديم المساعدة العسكرية، وقال إن هناك حاجة لجيوش وقوات هذه الدول الجوية لوقف مسيرة الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والمعروفة باسم الحوثيين. ويتزامن هذا النداء مع تقارير تفيد بأن طهران زودت الحوثيين بأسلحة جديدة. وبعد أن سيطروا بالفعل على العاصمة صنعاء، وأجبروا الحكومة المنتخبة على الفرار إلى ميناء عدن، هاجم الحوثيون مدينة تعز وسط البلاد. ولا تبدو قدرة الجيش اليمني نفسه على وقف هذه المليشيا أكبر مما كانت عليه قدرته في هزيمة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أو القاعدة في جزيرة العرب.
وبشكل بائس كما هو بكاء وزير الخارجية اليمني للحصول على مساعدة، من غير المرجح أن تحصل بلاده على أي شيء من الدول العربية الأخرى التي تشكل مجلس التعاون الخليجي، أو دول مجلس التعاون الخليجي.
وتحت قيادة المملكة العربية السعودية، الجارة الشمالية لليمن، تعد دول مجلس التعاون الخليجي مرتابة جدًا بشأن انتفاضة الحوثيين، لأسباب ليس أقلها أن هذه الميليشيا شيعية ومدعومة من قبل نظام إيران، بينما أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي معظمهم من السنة ومعادين لطهران. ولكن، وطالما تقوم قيادة المجلس بالكثير من فرك اليدين، فلا يجب أن نتوقع منها أن ترسل الفرسان إلى اليمن.
ولدى دول مجلس التعاون الخليجي في الواقع قوة عسكرية مشتركة، هي قوة درع الجزيرة المجهزة بتكلفة عالية، والتي من المفترض نظريًا أن تقوم بحماية الدول الأعضاء من هذا النوع بالضبط من المشاكل التي يواجهها اليمن الآن.
ولكن، وكما قلنا من قبل، هذه القوة، حالها كحال معظم الجيوش العربية، بنيت لحماية الأنظمة الاستبدادية من انتفاضات المدنيين العزل، وليس لخوض الحروب الفعلية. وبالتأكيد، ضرب الناشطين المؤيدين للديمقراطية هو أمر، ومحاربة ميليشيات قتالية مدعومة من إيران هو أمر آخر مختلف تمامًا.
وإلى جانب ذلك، فإن قيادة مجلس دول مجلس التعاون الخليجي يجب أن تكون على علم، وإن لم تكن، فإن جنرالاتها سيذكرونها دومًا، بما حدث في آخر مرة تدخل فيها جيش عربي في حرب أهلية يمنية.
وكان هذا في الستينيات من القرن المنصرم، ولم يكن الجيش الذي تدخل في اليمن أي جيش عربي، بل كان القوة العسكرية الأقوى في المنطقة: مصر. وفي عام 1963، وبعد عام من الانقلاب الذي أدى إلى إزالة الإمام الحاكم لشمال اليمن، محمد البدر، أرسل الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، قوة التدخل السريع لدعم الحكم الجمهوري الجديد ضد القبائل الموالية للبدر.
وكان من المفترض، كما هو الحال بالنسبة لمثل هذه الأمور في كثير من الأحيان، أن تكون الرحلة سهلة وسريعة. وكان يعتقد بأن “الملكيين” الموالين للإمام مجرد مجموعة ضعيفة بالمقارنة مع الجيش الأحدث والأفضل تجهيزًا في العالم العربي.
ولكن المصريين علقوا بسرعة في المستنقع. وحاصرهم الملكيون الذين كانوا يقاتلون على أرض وطنهم. وعلى الرغم من أن الإمام كان شيعيًا، اختارت المملكة العربية السعودية دعم الملكيين، وكذلك فعلت إيران بقيادة الشاه حينها، وكانت تلك اللحظة من اللحظات النادرة التي وقفت فيها الرياضوطهران على نفس الجانب من الصراع.
وبات ينظر إلى الحكم الجمهوري الموالي لناصر باعتباره دمية بيد مصر، وفقد الشرعية. ومع استمرار القتال على مر السنين، أرسل المصريون المزيد والمزيد من القوات، التي وصل تعدادها عند نقطة واحدة إلى 70 ألفًا. وأطلق ناصر حتى العنان للأسلحة الكيميائية ضد القبائل.
وأدت الحرب، المعروفة باسم فيتنام عبد الناصر، إلى مقتل الآلاف من الجنود المصريين، ووضع البلاد على حافة الإفلاس، وكسر الرئيس المصري. ويرى بعض الباحثون بأن تلك الحرب أضعفت الجيش المصري، وضمنت هزيمته على أيدي إسرائيل في عام 1967. وبالتأكيد، تركت ناصر رجلًا مكسورًا.
وسيتم استخدام هذه القصة كحكاية تحذيرية في قصور شبه الجزيرة العربية هذا الأسبوع، ومن المرجح أن تطغى على دعوة وزير الخارجية اليمني للتدخل المسلح. وفي مكان ما، سوف يكون شبح جمال عبد الناصر واقفًا يهز رأسه.