لم تمضِ سوى أيام معدودة على دخول قرار الخارجية الأمريكية بتصنيف مليشيا الحوثيين في اليمن "جماعة إرهابية" حتى عادت واشنطن -ولكن بالإدارة الديمقراطية الجديدة للولايات المتحدة- بإعلان التراجع عن هذا القرار. وبينما لاقى قرار واشنطن تصنيف الحوثيين "إرهابيين" ترحيباً لدى الحكومة اليمنية وحليفتها السعودية وبعض الدول، وقفت الأممالمتحدة والمنظمات الدولية العاملة في اليمن ضد القرار ودعت إلى إيقافه؛ بزعم أنه قد يتسبب بأزمة إنسانية في أسوأ بلد يعيش المجاعة بالعالم..
لمتابعتنا على تيليجرام
https://t.me/yemen2saed
وبين القرار المتخذ، الذي ضم تصنيف زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، وشقيقه وقيادي آخر كإرهابيين، وبين شروع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في خطوات التراجع عنه، يبقى السؤال عن سبب هذا التراجع للإدارة الأمريكية في وقتٍ تواصل فيه هذه الجماعة ارتكابها أعمال عنف في اليمن بحق المدنيين.
استراتيجية بايدن
في ال19 من يناير 2021، دخل قرار الخارجية الأمريكية تصنيف الحوثيين إرهابيين حيز التنفيذ، قبل يوم واحد من مغادرة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الحكم، لتعلن إدارة بايدن، في ال22 من الشهر ذاته، بدء مراجعة هذا القرار.
وفي ال5 من فبراير 2021، بدأت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن بإجراءات إلغاء ترامب بتصنيف جماعة الحوثي "جماعة إرهابية"، مؤكدة بأن هذا القرار لا علاقة له بنظرتها للحوثيين "وسلوكهم المستهجن"، فيما رحبت الأممالمتحدة بالخطوة الأمريكية.
وبدأ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رسمياً في إلغاء القرار السابق؛ إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "أبلغنا الكونغرس رسمياً بنيّة وزير الخارجية إلغاء هذه التصنيفات".
ويأتي هذا الإلغاء، الذي أكده مسؤول في وزارة الخارجية، بعد يوم من إعلان الرئيس جو بايدن وقف الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن دعماً للحكومة المعترف بها دولياً. وقبيل تولي بايدن الحكم أعلن مرشحه لتولي وزارة الخارجية، أنتوني بلينكن، أن واشنطن ستبحث عملية تصنيف الجماعة منظمة إرهابية، فيما أكد مستشار بايدن للأمن القومي جيك سوليفان، أن قرار إدارة ترامب تصنيف جماعة الحوثي في اليمن منظمة إرهابية "سيعيق الدبلوماسية الحاسمة لإنهاء الحرب". خطوة ليست بسيطة يشرح ل"الخليج أونلاين" الناشط السياسي لبيب ناشر في وقتٍ سابق هذه الخطوة، والفرق بينها وبين القرارات التي اتخذها بايدن في الساعات الأولى من حكمة، موضحاً أن القرار التنفيذي الذي يتخذه رئيس البلاد "يمكن لخليفته الذي يأتي بعده إلغاؤه كما حدث مع قرار ترامب بحظر سفر مواطني سبع دول إسلامية بينها اليمن، وألغاه بايدن". لكن القرار الصادر عن الخارجية الأمريكية "مدعم ومبني على تقارير من المؤسسات الأمنية العميقة في الدولة التي أصدرت تقارير على مدى سنوات، وتمت مراجعتها من وزارتي الخارجية والخزانة"، وفقاً ل"ناشر". وأضاف: "يبدو أن الخارجية في عهد ترامب لم تتخذ هذه الخطوة، والتي لحقتها فيها الخزانة الأمريكية، إلا بعد حصولهم على ما يثبت أن هذه الجماعة إرهابية بناءً على المعايير الموجودة لديهم". وأكد أن هذا الأمر ليس "متعلقاً بإدارة ترامب أو الوزارتين لتصدرا في أي وقت قراراً مثل هذا، لكنها تقارير صدرت من جهات أمنية كثيرة مطابقة للتقارير التي تؤكد أن هذه الجماعة إرهابية، وعلى ضوء ذلك أصدرت الخارجية". وحول وعد إدارة بايدن بمراجعة القرار يوضح ناشر قائلاً: "إنها ستنظر في محتوى التقارير التي صدرت من قبل الجهات الأمنية والاستخبارات، وسيرون ما إذا كانت هذه التقارير احتوت فعلاً ما يطابق المعايير الأمنية التي تم تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية بموجبها أم لا". وفي حال وجدت مبالغات في وضع مطابقة المعايير مسبقاً "سيرفع من الخارجية مرة أخرى إلى تلك الجهات الأمنية حول هذا الموضوع، إلى أن تقر تلك الجهة بأنها لم تقصد ما ورد في التقارير السابقة، ومن ثم ترفع الخارجية إلى الكونغرس، والأخير يرفع بقانون يصادق عليه لاحقاً رئيس الجمهورية، ولا يسمى إلغاء القرار وإنما رفع الجماعة من قائمة الإرهاب". لكن وفقاً للناشط السياسي فإن تلك الخطوة لن تأتي إلا بعد أن "تؤكد الأجهزة الأمنية الأمريكية التي أصدرت التقارير السابقة تقارير أخرى تثبت أن الحوثيين لم يصبحوا خطراً على اليمنيين وعلى دول الجوار والملاحة". ويعتقد أن هذا الأمر يحتاج "إلى وقت طويل لإثبات هذا الشيء؛ لأن الحوثي كانت له أفعال هدد بها أمن الملاحة الدولية ودول الجوار". وأكد أن التراجع عن هذا القرار ليس بالسهل، موضحاً: "الرئيس الأمريكي أو الجهة التي ستقول ارفعوا جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب ستتحمل المسؤولية مستقبلاً أمام الشعب والمشرع الأمريكي في حال حصل شيء هدد أمن الولاياتالمتحدة". الانفتاح مع إيران ويؤيد الباحث في مركز واشنطن للدراسات اليمنية سيف مثنى هذا الرأي؛ من أن خطوة التراجع عن القرار تحتاج إلى مزيد من الوقت. ويقول مثنى ل"الخليج أونلاين": "باعتقادي بعد النظر على فريق جو بايدن، الذي يبدو كأيادٍ قديمة من إدارة أوباما، "ستعود المنطقة بتوجهات جديدة لإعادة النظر في القضايا القديمة". وأشار إلى أن المعينين من قبل بايدن للسياسة الخارجية ونزع السلاح النووي ومناصب الخزانة "كان لهم دور مباشر في المحادثات النووية أو تنفيذ الاتفاقية". وأضاف: "باعتقادي أن الإدارة الجديدة ستذهب إلى التراجع عن تصنيف الحوثي جماعة إرهابية، بالرغم من بعض التصريحات التي تقول إنها مارست أفعالاً إرهابية بقصفها المدنيين". وتابع: "هذا التراجع يحتاج وقتاً من قبل إدارة بايدن، حيث يجب على الحوثيين التنازل كثيراً والتوقف عن بعض الحماقات والانفتاح على الحوار، وأيضاً يجب إقناع الكونغرس بهذه الخطوة"، متوقعاً ألا تواجه إدارة بايدن صعوبة تذكر في ظل أغلبية الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ. ويرى أن هذه الإجراءات ناتجة عن "التخوفات الأممية من أن القرار قد يهدد بعرقلة محادثات السلام التي تقودها الأممالمتحدة، والتقارب الأمريكي الإيراني المتوقع، وعدم التخلي عن الاتفاق النووي 2015، الذي يعتبر قصة نجاح نادرة للدبلوماسية المتعددة الأطراف". المتضرر الأكبر من الحوثي السعودية هي أكبر الدول بعد اليمن تضرراً من هجمات الحوثيين، وسبق أن استهدفت منشآتها النفطية التابعة لشركة أرامكو؛ كان أبرزها في سبتمبر 2019. وأعلن حينها الحوثيون المسؤولية عن الهجمات، فيما نفت طهران أي ضلوع لها، والتي أدت إلى زيادة حادة في أسعار النفط واندلاع حرائق وإلحاق أضرار مادية أوقفت إنتاج ما يفوق 5% من إمدادات النفط العالمية.
وفي ال23 من يناير 2021، أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن "اعتراض وتدمير هدف جوي معادٍ تجاه العاصمة السعودية الرياض"، بعد يومٍ فقط من إعلان التحالف تدمير طائرة مسيرة أطلقها الحوثيون باتجاه المملكة، وزورق مفخخ للجماعة في جنوبالبحر الأحمر. لكن غالباً ما تقول الإدارة الأمريكية إنها ستقف إلى جانب حليفتها السعودية ضد الهجمات عليها، وكان أبرزها تصريحات بايدن في ال4 من فبراير 2021 عندما قال إن بلاده ستعمل مع المملكة العربية السعودية للحفاظ على سيادتها. وأضاف "بايدن"، خلال خطاب له: "السعودية تواجه اعتداءات من قوة مدعومة من إيران"، مؤكداً: "سنواصل دعم السعودية لحماية أراضيها من تهديدات قوات تدعمها طهران". *الخليح أونلاين