قالت جماعة الباسك قديماً..( أنه متى ما بدأ الثعلب في الوعظ ..فقدت دجاجتك )..وهذا صحيح وإن كان ينطبق من وجهة نظري على أولئك الذين يحكموننا اليوم بإسم التغيير والعدالة الثورية المزعومة والمبتذلة على إيقاع الفوضى.. فالأحداث التي وصفت في بلادنا على أنها ثورة .. باتت الآن عارية ومجردة من كل المثل والأخلاقيات الثورية المفترضة.. نظراً للطريقة التي تدار بها بلادنا اليوم في ظل نخبة مهيمنة ومتهورة بات واضحاً الآن أن ولاءها (لامبراطورية اليانكي) كان هو السبب الرئيسي وراء انقضاضها الهمجي على السلطة وتضليل الأمة.. وهو الواقع الذي يمكن استخلاصه بوضوح من خلال إدراك الفارق الجوهري بين ما كان قائماً في الأمس وما هو سائد اليوم على صعيد أمننا القومي والاجتماعي وسيادتنا الوطنية. فحينما كان صالح في الحكم كانت تهم الفساد والعمالة والارتهان والتفريط بالسيادة الوطنية ..على رأس مكونات الدعاية والتبشير السياسي والأيديولوجي التي وظفت آنذاك بضراوة ضده وضد نظامه من قبل غالبية قوى المعارضة الوطنية بمختلف تكويناتها السياسية والأيديولوجية والحركية (والاخوانجيين ) بصفة خاصة نظراً لإفراطهم العبثي في العزف على شعارات (الوطنية العاطفية) في سياق سعيهم الانهزامي لتاجيج الشارع الشعبي وتجريد النظام من شرعيته وهويته الوطنية إن جاز التعبير..؟ أما اليوم فإن دخول ما يربو على المائة وخمسين عنصراً من قوات البحرية الأميركية ( المارينز ) إلى أراضينا بكامل عتادهم وأسلحتهم الثقيلة والتمركز علناً في عمق عاصمتنا السياسية المسلوبة في تأهب تام لإطلاق نيرانهم على كل من تسول له نفسه المرور في محيط منطقة سعوان بأكملها حيث مبنى السفارة الأميركية ..لا يعد باي حال من الأحوال خرقاً للسيادة ولا انتهاكاً وتدنيساً لاستقلاليتنا وكرامتنا الوطنية...وإنما هو شكل جديد ومتقدم من أشكال التحول الثوري المدروس من وجهة نظر باسندوة وأعوانه من تحالف قوى اللاهوت الديني والقبلي المشؤوم .. تحولاً ثورياً سيفضي ولا شك في نهاية المطاف إلى وضع نصب تذكاري في المستقبل القريب لأبطال المارينز الذين قدموا إلى البلاد كفاتحين حضاريين ربما في وجه الفوضى والإرهاب والتخلف والعبثية. إنها الترجمة العملية لشعار ( يمن سيد ..وسعيد .. وحر .. ومستقل ) الذي أفرط الملتحون في التبشير به أبان الأزمة والذي بات يدل دلالة عميقة في الوقت الحالي على أن تفشي ورم ( الإخوانية اللاهوتية ) في بلادنا قد ألحق وسيلحق أضراراً فادحة بالروح والهوية الوطنية كما يتضح جلياً من خلال سعيهم الحثيث لإعادة تعريف مفهوم الوطنية ( الجاري صياغته حالياً ) بما يخدم أهدافهم وتوجهاتهم الراديكالية والعشائرية المتطرفة لتكريس مظاهر الهيمنة والتفوق والاستقواء المشاعي على سير عجلة التاريخ والتطور الوطني ولو على حساب أمننا وكرامتنا وسيادتنا الوطنية.. المفارقة العجيبة في هذا الشأن تكمن في إنه وطوال فترة حكم صالح المنقلب عليه لم يتسن لأي منا بالتأكيد رؤية جندي مارينز واحد حقيقي إلا عبر شاشات التلفزة العالمية فقط وليس في شوارع صنعاء بالصورة التي بتنا مهيأين حاليا على ما يبدو لاعتيادها في ظل الطفرة الثورية المتنامية لحكومة الوفاق المشؤومة.. وللتذكير فقط أود الإشارة هنا إلى أن صالح الموصوم كما أسلفنا بالارتهان وبيع السيادة الوطنية بالمجان كما اعتادوا وصفه في وسائل إعلامهم المريضة.. نجح على الأقل وتحديداً خلال العقد ونيف الماضية في مقاومة أقسى الضغوط الغربية والأميركية..لعل أبرزها تلك المتعلقة بمطالب إدارة جورج دبليو بوش السابقة عقب الهجوم الإرهابي الذي طال المدمرة الأميركية يو إس إس كول في شواطئ عدن في اكتوبر العام 1990م بتسليمها أبرز وجوه التحول الثوري الحالي والمزعوم ..والمتورطين آنذاك وفق تأكيدات المخابرات الأميركية في تخطيط وتمويل تلك العملية بالإضافة أيضاً الى اشتباه..السي .. أي .. أي .. بتورطهم في عمليتي الهجوم الإرهابيتين على سفارتي أميركا في كل من نيروبي ودار السلام في أفريقيا في أكتوبر العام 1998م وعلى رأسهم بطبيعة الحال الجنرال علي محسن الأحمر وكل من صادق الأحمر وعبد المجيد الزنداني وعبدالله صعتر ..والمصنفين حتى وقت قريب جداً على رأس لائحة المطلوبين للمخابرات الأميركية بتهم تتعلق بجرائم الإرهاب الديني في الداخل والخارج. ولو أن صالح بادر آنذاك بتسليمهم لكان أفاد واستفاد حقاً .. كون الأمر لن يشكل بأي حال خرقاً للسيادة الوطنية كما هو حاصل اليوم بقدر ما كان سينتج عنه فائدة مزدوجة تتمثل في شقها الأول بتخليص الأمة من ( ورم الإخوانجية ) الخبيث والمتفشي في جسدها .. فيما سيسهم من الناحية الأخرى بتلطيف أجواء التوتر السائدة آنذاك في علاقة نظامه المتدهورة مع إدارة بوش اليمينية والساعية خلال تلك الحقبة لتقليم أظافر العديد من الأنظمة السياسية الحاكمة في العالم العربي وأفريقيا والشرق الأوسط عموماً في إطار مساعيها الرامية لإعادة ترتيب خارطة المنطقة وفق تصوراتها المعدة آنذاك لشرق أوسط جديد كما كان مخططاً له بعناية.. وعموماً أستطيع القول هنا أن دخول أبطال المارينز إلى بلادنا بتلك الصورة المهينة والمخزية أمر لا يعكس فحسب وضاعة وعمالة نخبة الحكم الجديدة والوليدة من عمق الآلام والمعاناة الشعبية ..بقدر ما يبرهن في الوقت ذاته على متانة الزواج الكاثيولوكي الناشئ حالياً ما بين نخبة السوء في بلادنا من جهة والإدارة الأميركية من الجهة الأخرى وبما يعيد إلى الأذهان حقيقة المشروع الأميركي القديم نوعاً ما والمتمثل باحتواء القوى والحركات الإسلامية المعتدلة لاستخدامها في ضرب القوى الراديكالية المتشددة ...وأمر كهذا في حال حدوثه فإنه لن يسفر سوى عن المزيد من المآسي والانحطاط والتفريط اليومي بالكرامة والسيادة الوطنية والتوسع المطرد للقوى الراديكالية التي تعول عليها الإدارة الأميركية ربما عن طريق الخطأ أو عن عدم إدراك واعٍ في أن من تعتقدهم بالمعتدلين وتتعامل معهم هم ذاتهم القوى التي ينبغي استئصالها بسبب راديكاليتها الموحشة وخطورتها على السلم المحلي والإقليمي والدولي.. ü الرئيس التنفيذي لحركة الأحرار السود في اليمن رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة نقلاً عن صحيفة تعز