قرأت حواراً في صحيفة "الجمهورية" لمنصور الحنق، حمل من التناقضات أكثر مما تحمله خطابات أيمن الظواهري، وظهر من كلامه وكأنه أحد قادة طالبان، وليس عضواً في مجلس النواب عن حزب سياسي معروف. اعترف الحنق في حديثه أنهم من فجروا الحرب مع الحرس الجمهوري، حيث قال: "حاولت تلك الألوية بالخروج مع معداتها العسكرية والأسلحة الخفيفة والثقيلة متجهة الى صنعاء، حينها أدرك أبناء قبيلة أرحب أن هناك مؤامرة على ساحة التغيير، فقالوا من واجبنا أن نمنع دخول تلك القوة لضرب إخواننا، فاعترضوا طريق تلك الآليات وأوقفوها على الإسفلت". من أعطاكم الحق في منع وحدات الجيش من التحرك؟ ألم تقولوا إنها ثورة سلمية؟ ألم تدعوا أن الحرس هو من هاجمكم؟ ماذا كنتم تنتظرون منهم بعد حصاركم لهم؟ قبائل تحاصر جيشاً بالقوة المسلحة، وينتظر من الجيش أن يواجههم بطريقة سلمية! عجيب أمركم يا هذا، عذر أقبح من ذنب، فكما نعلم أن في صنعاء آلاف الجنود من الحرس الجمهوري والأمن المركزي والنجدة والداخلية، والذين كانوا تحت إمرة الرئيس السابق، ولو أراد اقتحام الساحة لاقتحمها خلال دقائق، وما منعه من ذلك هو الكلفة البشرية العالية -وليس الحنق وفتنة في أرحب- التي قد يتسبب بها هذا الاقتحام، خصوصاً بعد انقلاب الموازين المحلية والإقليمية والدولية بعد جمعة الكرامة.
الحقيقة التي غابت عن أبناء أرحب البسطاء أن منصور الحنق كان يأتمر بتوجيهات علي محسن وحساباته لفارق القوة بين الفرقة والحرس، فعمد إلى فتح جبهات قتال للحرس في أكثر من مكان ليأمن على فرقته في صنعاء، وكان سكان أرحب ضحية إجرام العليين وحربهما، وما منصور الحنق إلا إحدى الأدوات في تلك الحرب القذرة التي قتل وجرح فيها المئات من أبناء أرحب الأبرياء والجنود المغرر بهم، الذين لا حول لهم ولا قوة. الحنق ومن ورائه محسن جعلوا المعركة دفاعاً عن ساحة التغيير التي تبعد عشرات الكيلومترات، وصالح جعلها دفاعاً عن الشرعية التي زورها لسنوات، فلا محسن مع الثورة، ولا صالح مع الشرعية.
تحدث الحنق وكأنه في الزنتان في ليبيا، حيث قال "الطريق الموجود على خط مأرب والمسيطر عليه الثوار"، معترفاً بسيطرة مليشياته على طريق مأرب، ويسميهم ثواراً. بالله عليكم عضو مجلس نواب عن حزب الإصلاح يقود مليشيات ليقطع بها الطريق، ويرفض توجيهات اللجنة العسكرية، مشترطاً انسحاب وحدات للجيش الرسمي من بعض المناطق، وفي نفس المقابلة يتهجم على الحوثيين ويرفض الحوار معهم، متذرعاً بحملهم للسلاح، وكأنه يحمل الورد والأزهار في قتاله للحرس وقطعه للطريق، فعلاً شر البلية ما يضحك.
حاول الحنق إقناع القارئ أن أرحب، وبسبب نزول بعض شبابها الى ساحة التغيير، تعرضت للهجوم من الحرس الجمهوري، متناسياً أن الكثير من شباب المديريات الأخرى كانوا في الساحة، ولم تتعرض مناطقهم لهجوم من ألوية الحرس المتمركزة فيها، فما الفارق بين تلك المناطق وأرحب يا ترى؟ الفرق أن تلك المناطق لا يوجد بها مثل منصور الحنق من يجر منطقته الى حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حرب على السلطة والمال، وليست دفاعاً عن الشرعية أو الثورة.
وتعبيراً من الحنق عن طالبانيته قال: "أما بالنسبة للحوثيين وتمددهم في المنطقة، فنعتبرهم خطراً، وإنهم جماعة لن تخدم اليمن، جماعة تثير الفتن والإشكالات"، وكأن الحوثيين من كوكب آخر، متناسياً أن أمين عام حزبه عبدالوهاب الآنسي ذهب إلى صعدة، داعياً الحوثيين للحوار، فهل يا ترى ذلك تبادل أدوار داخل الإصلاح؟ طرف يدعو الحوثيين للحوار، وآخر يعلن الحرب عليهم؟ أم أن الحنق يتبع جناحاً آخر؟ كان يفترض أن يقول الحنق نحن نحترم الحوثيين طالما نشروا قناعاتهم بالطرق السلمية، ليشجع على السلام وحرب الأفكار، لا حرب المنع والإقصاء. ثم من أعطاه الحق ليتكلم باسم أرحب، ويحجر على عقولهم وكأنهم أطفال لا يفقهون شيئاً، أرحب فيها حوثيون، ومن حق أي مواطن فيها أن يؤمن بأفكارهم. ثم ما هذا الخواء الفكري الذي وصل إليه الإصلاح بحيث لم يعد قادراً على مواجهة الأفكار إلا بالمنع والحرب.
كلام الحنق يثبت صحة عبارة الحوثيين الشهيرة "نحن ندافع عن أنفسنا"، فالحرب في كتاف وعاهم وغيرهما هي نتاج لمثل أفكار الحنق، فكلما اقتنع البعض بأفكار الحوثيين، اعتبروا ذلك تمدداً، مبررين مهاجمتهم.