وحدها "الساقية" المُهملة، وما تبقى من أثر مندثر –تماماً- لقبر "الشبزي" يخبران القادم أن يهوداً يمنيين يوماً ما كانوا هُنا، ثم اختفوا لكأنهم فص ملح وذاب. الطريق إلى ساقية "الشبزي" في حي المغربة في تعز أشبه بلعبة تائه بين الزقاق. أبنية الحي الموجودة حول الساقية بُنيت حديثاً وبطريقة شعبية وعشوائية كذقن سجين! الدخول إلى حيث الساقية لا يتطلب خارطة مُحكمة الخطوط في حال غياب مرشد من أبناء المنطقة فحسب، بل يتطلب-أيضا–حذاء لديه القدرة على التماسك، لأن الزقاق حجري ضيق، ويسهل الانزلاق فيه. كما أن الدخول من باب الساقية إلى حيث تلامس يديك الماء، يتطلب منك الانحناء إلى أقصى حد لأن الباب الحديدي الخاص بمكان الساقية، صغير. ربما هي انحناءة إجلالٍ لبساطة الناس هناك. لا بأس، رائحة الفضاء الموجود خلف باب الساقية الصغير يخبر أن المكان قديم ومهمل. وأما الماء الذي ينزل إلى الساقية من أعلى قمة جبل (صبر) ليس صالحا للشرب، إنما صالح للاغتسال فقط. غسلت وجهي المتعب ب"سطل" منه، ثم سكبت البقية على رأسي وشعرت -لحظتها- كما لو أنني أعرف الماء لأول مرة في حياتي. كان ماء الساقية باردا بطريقة منعشة وله رائحة طين التاريخ الدفين. وحسب بعض الأهالي، تعرضت الساقية للدفن مراراً، غير أن المرحوم "نايف محمد حيدر" -وهو أحد أبناء المنطقة- أعاد قبل 12 سنة بناءها مجددا على حسابه الخاص. وتشير بعض حكايات التاريخ المتداولة أن أحد الضباط الأتراك الذين جاءوا اليمن إبان الغزو العثماني كان عقيما هو وزوجته، ولما انتفع من ماء الساقية، وتداوت زوجته أيضا. حينذاك أراد أن يرد جميل شفائه فبنى حول ضريح الشبزي مكاناً بارزاً، أصبح فيما بعد مزاراً يحج إليه كل عام أبناء الطائفة اليهودية. وطبقا لتلك الروايات فإن بناء المزار حول ضريح الشبزي حدث بعد جيلين من موت "الشبزي". غدا سنتعرف إلى الشبزي باعتباره أهم حاخامات اليمن. [email protected]