استأنفت جماعة الحوثي والسلفيين في دماج أمس المواجهات المسلحة التي تشهدها المنطقة منذ نحو شهر، وخلفت عشرات القتلى والجرحى في صفوف الطرفين، بعد ساعات على اغتيال البرلماني عبدالكريم جدبان، بعد توقيع اتفاق جديد لوقف إطلاق النار. المواجهات الأخيرة نتيجة لمقتل أبرز القيادات السياسية لجماعة الحوثي، وتنذر وفقاً لمراقبين باتساع رقعة المواجهات إلى قلب العاصمة، خصوصاً في ظل وجود أطراف تسعى لإضعاف مراكز القوى المنافسة وإدخال اليمن في متاهات من الفوضى تهيئ للمزيد من المكاسب السياسية التي تسعى لتحقيقها. يعتبر رئيس تكتل الأحرار في البرلمان عبده بشر بأن مقتل جدبان يأتي ضمن مسلسل تصفية مرسوم لإدخال اليمن في أتون حرب طائفية، مشيراً في تصريح ل"اليمن اليوم" إلى أن جدبان كان صاحب رأي، "ولم يحمل يوما مسدساً، وكان فقط محارباً للفساد ورجل مواقف ضيَّق صدور الفاسدين".. وأشار بشر إلى أن الحكومة كانت تبرر اغتيالات الضباط والأفراد بالقاعدة، لكنها كيف ستبرر مقتل برلماني لا يشكِّل خصماً للقاعدة؟. وأضاف: هناك جهات باتت تضيق من أصحاب الرأي وترى بأنهم يشكلون خطراً عليها، لذا لجأت لتصفيتهم. بينما يرى النائب المستقل أحمد سيف حاشد بأن من اغتالوا جدبان هم من "سخَّروا وسائل إعلامهم خلال الفترة الأخيرة للشحن المذهبي، وأصدروا قرارات تعيين واسعة النطاق لقادة أمنيين موالين لهم".. يقول حاشد ل"اليمن اليوم" إن اغتيال جدبان يأتي في إطار مسلسل قد يطال خلال الفترة المقبلة شخصيات سياسية، "هناك قائمة أسماء ستتم تصفيتها".. واتهم حاشد حزب الإصلاح بالضلوع في أعمال الاغتيالات، كما اتهم وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية بالتساهل تجاه تلك العمليات".. وكان حاشد قد قال في تصريح نقله موقع (يمنات) التابع له، حمَّل فيه حزب الإصلاح (الإخوان) المسئولية في حال تعرضه لتصفية جسدية.
إلى أين يقود الوضع الأمني البلد؟ يحذر النائب عبده بشر من استمرار تدهور الوضع الأمني الهش أصلاً، قائلاً "الوضع الحالي كارثي وينذر بمستقبل مشئوم للبلد، ويجب سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة الأمن". بينما يقول أحمد سيف حاشد بأن أسباب الانفلات الأمني تكمن في القيادات الأمنية، "التي أريد بها تسهيل مثل تلك العمليات".. الحكومة متواطئة مع كل أعمال القتل والجرائم الأخرى ومنذ تعيين حكومة الوفاق الوطني وعمليات الاغتيالات تطال قادة عسكريين وسياسيين ولم يُحَل أحد المتورطين في تلك الأعمال للمحاكمة، وهذا يعكس تورط الحكومة خصوصاً الداخلية وأجهزتها الأمنية، بينما يشير ناطق الحوثيين إلى أن الداخلية بأجهزتها الأمنية فشلت "بشكل ذريع" في استتاب الأمن في البلد.
ما تأثيره على الحرب في صعدة؟ يعتبر بشر اغتيال جدبان بأنها مقدمة لحرب طائفية قد تمتد خلال الفترة المقبلة إلى قلب العاصمة، مشيراً إلى أن الحرب الطائفية قائمة، "والمسألة مسألة وقت حتى تنتقل إلى صنعاء وغيرها من المحافظات".. مطالباً في الوقت ذاته رئيس الجمهورية ومجلسي النواب والشورى وهيئة علماء اليمن أن يتداركوا الموقف ويتفادوا حرباً قد تعصف باليمن. بينما يرى ناطق الحوثيين بأن تأثيرها على الحرب في صعدة "محدود"، مشيراً إلى أن ما يدور في دماج بمثابة مواجهات بين حوثيين وأجانب، "السلفيون موجودون في كافة بقاع صعدة ولديهم جوامع هناك ولم يتم اعتراضهم، وفي دماج ثمة أجانب يسعون لتفجير الوضع الطائفي"، أو كما قال.
لماذا الاغتيالات وبوادر الحل؟ أبدت كافة القوى السياسية إدانتها الشديدة، بما فيها السلفيون الذين يخوضون أعنف المعارك ضد الحوثيي، لكن معركة الاغتيالات من يقودها؟ يقول أحمد سيف حاشد بأن هناك قوى طامعة في السلطة وتريد الانفراد بها من "خلال تصفية خصومهم السياسيين والنشطاء والصحفيين"، معتبراً غطاء القاعدة غير صحيح في مثل هكذا عمليات، "هم الجناح السياسي للقاعدة وقد أفتوا بقتل الناس".. وقال: "لا تحتاروا ولا تتيهوا.. عليكم بالتجمع اليمني للإصلاح، فمن وضع يده عليه فقد أصاب سبب كل هذا القتل والخراب".. وأوضح أننا اليوم نمر بنفس المرحلة التي تمت فيها تصفية قيادة الحزب الاشتراكي قبل حرب صيف 1994م. يضيف حاشد "يريدون قلب المعادلة السياسية لصالحهم من خلال تدمير القوى التي أحدثت مؤخراً توازنات سياسية قد تقضي على آمالهم مستقبلاً، كما يحاولون إزاحة خصومهم المعارضين باتجاه بناء دولة أصولية".. ويقلِّل حاشد من أهمية تأثير الحادثة على مؤتمر الحوار: "أصلاً الحوار فاشل من يوم ولد، والقضايا المستعصية لم يتم حلها ولن يتم ذلك"، محذراً في الوقت ذاته من خطورة استمرار مسلسل الاغتيالات على مستقبل اليمن، وقال: "الإصلاح يستخدم السلفية من أجل تأجيج الصراع الطائفي بغية إضعاف السلفيين والحوثيين للتفرد بالسلطة". تكمن الحلول بنظر النائب بشر في أن يقوم البرلمان بخطوة إيجابية وإقالة الحكومة وإحالة وزرائها خصوصاً قادة الأجهزة الأمنية إلى المحاكمة كإجراء احترازي، "لم يعد بمقدور البرلمان استدعاء وزير أو طلب الحكومة للنقاش، لكن أمامه مهمة وطنية تكمن في إحالتها للمحاكمة على الاغتيالات التي جرت خلال الفترة الماضية وطالت قادة عسكريين وأمنيين وسياسيين". يضيف بشر: "لم يقوموا بإحالة مجرم واحد للمحاكمة، ولو اتسعت دائرة الاغتيالات سنكون على موعد مع حرب طائفية في كل بيت". بينما يطالب علي البخيتي بإقالة وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية الأخرى: "لقد فشلوا في إدارة الأمن ولم يعتقلوا أي متورط بجريمة الاغتيالات التي طالت منتسبي الأمن والجيش، وبقاؤهم يسهل مهمة استمرار عمليات الاغتيالات والفوضى".