في هذاالزمان كثر العلم وكثرت وسائل إنتاج ونشر المعلومات، وتتضاعف المعارف يوميا، وصارمعظم الرجال والنساء يتعلمون في المدارس والجامعات ومراكز التلقي الأخرى، وتخرجمنها ملايين الرجال والنساء بعد أن أتموا تعليمهم.. هل يمكن أن يوصف شخص ما أنهجاهل في ظل توافر وسائل تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية ومصادر المعرفة التي تضخعلى مدار الساعة معارف ومعلومات حول مختلف القضايا والشؤون الكبيرة والصغيرة،والحصول عليها بيسر ودون تكلفة؟ مع ذلكفالجهلة كثر.. والجاهل ليس جاهلا لأنه أمي أو أن رأسه خال من المعرفة والمعلومات،ولكنه جاهل لأنه يحمل معارف ومعلومات يوظفها بطريقة خاطئة. تخلف مجتمعنا لا يرجع إلىقلة التعليم أو شحة المعارف ولا لأن الناس لا يفكرون ولا يتدبرون بل لأنهم يفكرونتفكيرا خاطئا ولا يحسنون التدبير ولا يثقون بالعلم وإذا وثقوا به استخدموهاستخداما سيئا يضر ولا ينفع. ليس فيالكتب المدرسية درس واحد عن التفكير العلمي، أو يجيب على سؤال: كيف تفكر..؟ قرأتفي كتاب مدرسي أن أعرابيا بال في القليس (الكنيسة التي بناها إبرهة في صنعاء)فأثار غضب إبرهة، ومن فوره قام يعد العدة لغزو مكة ليهدم كعبة العرب انتقاماللقليس وعقابا على بولة صاحبهم.. حدث تاريخي كبير شهده عام الفيل سببه "بولة" بالها أعرابي في القليس.. هكذا... بمعزل عن الظروف السياسيةوالاقتصادية التي كانت سائدة حينها، وفي ظل تنافس القوى الاستعمارية القديمةالكبرى فارس والروم على مراكز النفوذ، ومعروف أن الحبشة كانت يومها رومية الولاء.. الجاهلليس جاهلا لأنه غير مزود بمعارف بل لأنه مزود بمعارف خاطئة، والجاهل ليس معطلالرأس، بل يفكر، ولكنه يفكر على ضوء ما تتوافر لديه من معارف مضللة وتفسيراتسخيفة. لأحد الفقهاء القدامى كتاب كبير مشهور عنوانه " تلبيس إبليس"،وفيه يرجع أسباب مشاكل الدنيا الآخرة التي يصنعها الإنسان ويعاني منها إلى إبليساللعين.. كل عورة وكل خطأ وكل زلة وكل سوء فهم وقلة تدبير هي من تلبيس إبليس..البشر أبرياء منها لأن إبليس أوقعهم فيها. وهذا الكتاب له رواج في السوق إلى جانبكتب الخرافات والسحر والشعوذة وأخبار الجن وأهوال يوم القيامة. وصار لديناما يمكن تسميته التجهيل عبر الصوت والصورة أيضا في هذا الزمان العربي، والذي يُضَخّعبر الفضاء، فهناك عشرات القنوات الفضائية المخصصة للرقية والتعاويذ والعلاج السنيلضعف الباءة ومشاهدة كيفية التعامل مع الجن الذين يغزون الأجساد البشرية.