قال أستاذنا فكري قاسم إن جامعة الإيمان تهتم بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، «وهذا أمر جيد للأمانة».. وأقول: للأمانة هذا ليس جيدا يا صاحبي.. فما يسمونه الإعجاز، أو السبق العلمي في القرآن والسنة، يعتمد على التالي: ينتظرون لما يحقق علماء الغرب فتحا علميا في الفلك أو الفيزياء أو غيرهما.. نظرية، قانون، اكتشاف ما.. ثم يرجعون للقرآن يبحثون عن أية ويلوون عنقها بالتأويل، أو الوهم، لتعطي مدلولا قريبا من النظرية، ثم يقولون هذا الذي اكتشفه العلم اليوم قد ورد في القرآن زمان.. فعندما قال العلماء إن الشمس تدور حول نفسها، قالوا هذا قد قاله القرآن قبل العلم الحديث بألف وأربعمائة سنة، ودليلهم آية «والشمس تجري لمستقر لها..».. بينما الآية تقول الشمس تجري، لا تدور.. ومن السهل أن تجد كلاما قديما فيه ما يشبه بعض النظريات الحديثة، في الشعر العربي القديم، وفي التوراة والإنجيل، وفي كتب الهندوس، لكن ما قيمة ذلك إذا كان في التوراة نظرية علمية أو متوهمة، يعرفها اليهود فقط بعد أن يكتشفها العلماء التجريبيون، بينما التوراة بين أيديهم منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة؟ لم يحدث ولو لمرة واحدة أن تحدث رجال الدين -اليهود أو البوذيين أو المسيحيين أو المسلمين- عن نظرية علمية في كتبهم المقدسة، قبل أن يظهرها العلم الحديث.. وأصحاب الإعجاز العلمي في القرآن قلدوا اليهود والنصارى، لأن هؤلاء كانوا سباقين في الادعاء أن كتبهم الدينية تحتوي على نظريات وحقائق علمية، والغرض من ذلك التأكيد أن كتبهم من عندالله، فهم يبحثون في العلم عن سند يدعم كتبهم، وهذا مسلك المهزومين نفسيا. إذا كانت المسألة بحثا عن نص ديني تحمله نظرية علمية، فهذا ستجده في أي كتاب، ستجده في الشعر الجاهلي.. فمثلا العلم توصل إلى حقيقة علمية، وهي أن الأرض كروية، وبعد ظهور هذا الاكتشاف، يأتي رجل دين يهودي ويقول هذا قد ورد في التوراة قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويستند إلى نص في التوراة على لسان أشعيا: «الجالس على كرة الأرض، وسكانها كالجندب».. ويستدل رجل دين مسلم بالآية «والأرض بعد ذلك دحاها..» ويقول إن الدحية هي البيضة، فإذا القرآن قد قال إن الأرض كروية.. طيب هذا الشاعر الجاهلي زيد بن عمر بن نفيل قال عن الأرض- قبل نزول القرآن-: «دحاها فلما رآها استوت- على الماء أرسى عليها الجبالا».. وللموضوع بقية.