ذكرنا أمس أن القائلين بالإعجاز العلمي في القرآن، وقفوا على قوله تعالى:" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له، إن الذين تدعون من دون الله، لن يخلقوا ذبابا، ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئا، لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب".. فأعلوا شأن الذباب، وانتزعوا من الآية روحها، وضعوا أنفسهم موضع أهل الكيمياء والحشرات، وزعموا أن في أمعاء الذباب خمائر هاضمة، وغدد لعابية طويلة وغنية، فإذا بلعت طعاماً حولته إلى شيء آخر، وأن هذه خاصية في الذباب، وذلك هو المعجز في الآية عندهم، بينما الأمر مختلف، وارجعوا للمفسرين، يقولون إن في الآية مثل يرينا حقارة الأصنام والأوثان، وسخافة عقول المشركين بالله، فهذه الأصنام والأوثان التي يعبدونها من دون الله، لا تقدر على خلق ذباب واحد، بل لو سلبها الذباب شيئاً من الطيب التي يطيبها به عبادها، لما قدرت على استرداده من أضعف مخلوقات الله وأحقرها.. إذاً الكلام موجه لعبدة الأصنام والأوثان، وفي الكلام إن هذه الأوثان والأصنام الجامدة التي لا إرادة لها ولا حياة، لا تستطيع استرداد الطيب الذي يسلبه الذباب منها.. وأصحاب الإعجاز العلمي في القرآن حولوها إلى كيمياء، و وضعوا الإنسان موضع الأصنام والأوثان العاجزة، بينما الإنسان لا يعجز أمام أفتك المخلوقات فما بالك بالذباب.. وفي فقه الذباب أيضا عند أصحاب الإعجاز الموهوم، يسوقون حديثا مكتوب عند البخاري منسوب للرسول يقول:"إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء، وفي الآخر داء"! يقولون: العلم الحديث توصل إلى حقيقة علمية هي إن في جناحي الذباب مواد سمية، وأخرى دوائية.. وما يؤكد كذب إدعائهم أن العلم لم يقل ذلك، وهم أنفسهم لم يذكروا أين قال العلم هذا؟ ثم لماذا نغمس الذباب أصلا، وهل هناك ذباب يغرق بجناح واحد؟ وماذا لو سقط الذباب في الشفوت أو على تفاحة، هل علينا أن نشفته بين الشفوت، ونطلي به التفاحة؟ ما المطلوب منا من الناحية العملية؟ هل إذا سقط الذباب في قهوة أو عصير علينا أن نغمسه أكثر ثم نشرب؟ طفل سليم الذوق لا يقبل بذلك، فالذباب حشرة تتغذى على الجيف والقاذورات، حشرة ضارة تنقل الأمراض..وبدلا من تعظيم الذباب قولوا للناس حاصروا الذباب في البيت والمدرسة والمخبز، وتخلصوا من القمامات فوراً كي لا تتحول إلى بيئة ترغد فيه حشرة الذباب وتتكاثر.