يبدو أننا مضطرون للتعرف على الدين الإسلامي من جديد؛ حتى نتحول إلى مواطنين صالحين للعيش والتعايش، فما وصلنا عبر رجال الدين _هكذا يدعونهم_ لا علاقة له بالحياة والبناء والتعمير، رغم أنهم أنفسهم قالوا لنا إن الدين الإسلامي دين محبة وبناء وحرية، وهو الدين الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور. حسنا.. لكننا لم نجد في تصرفاتهم ونشاطاتهم وأفكارهم ومنهج حياتهم شيئا مما ذكروا. العكس تماما، تنحصر أنشطتهم في الهدم والقتل والرعب وإعدام الحياة أينما وجدوها. إنهم يريدون إعادتنا من النور إلى الظلمات، والكارثة أن هذا كله يحدث باسم الدين الإسلامي. نعم، لقد تعرضنا جميعا لهذا الفكر في الكتيبات والأشرطة المجانية والخطب والأناشيد، وحتى في الكتب المدرسية بجرعة أخف لكنها كفيلة بوضع البذرة القادرة على النمو والإثمار إذا ما وجدت البيئة المناسبة ومن يهتم بريها. وما زاد الطين بلة، ظهور الفرق والطوائف الدينية المتناقضة في الفكر والتوجه، لكنها متفقة في ممارسة القتل والرعب والتخريب وإنكار الآخر ،كطريق وحيد إلى الجنة أو ربما الطريق الأسرع. لذا وجب على الكيانات المدنية والدولة بشكل أساسي مراجعة الخطاب الديني _على الأقل_ في المنابر والوسائل التي تستطيع التحكم بها مثل المناهج الدراسية وخطبة الجمعة ووسائل الإعلام الرسمية. وقبل هذا كله أن تقف الدولة في صف وضع دستور مدني يكفل الحريات والمساواة والتعايش السلمي بين الناس. إذا نجحت الدولة في تنفيذ هذه الخطوة في الفترة الراهنة فقد قامت بإنجاز رائع وقفزة جبارة باتجاه إقامة الدولة المدنية المنشودة للمواطنين الصالحين السليمين من أمراض الطوائف والجماعات ورجال الدين. أما إذا استمر الوضع كما هو، فلن تقوم للمجتمع اليمني قائمة إلى أن ينفخ في الصور، حتى لو اعتقد البعض بقدرة جماعات دينية بعينها على بسط السيطرة وتحقيق الأمن، فذلك ليس سوى تمهيد لمرحلة جديدة من الديكتاتورية الدينية التي أثبتت فشلها مع كل الطوائف باختلاف معتقداتها، ولم يحدث عبر التاريخ أن نجحت طائفة دينية في بناء حضارة قادرة على الصمود.