رسولنا وضع ما يعرف بصحيفة المدينة، وخط فيها قانونا يعامل اليهود معاملة المسلمين، وقال لوفد نصارى نجران: هذا مسجدي، فأقيموا فيه صلواتكم.. بعد 14 قرنا وثلث القرن، يقرر إرهابيو "داعش"في العراق إقامة دولة خلافة إسلامية.. خلافة إسلامية فيها أن مواطني العراق الأصليين، المسيحيين والأيزيديين، عليهم أن يسلموا، أو يدفعوا الجزية، وإذا لم يقبلوا، فليتركوا وطنهم، وبالجملة يقتل ضعفاؤهم، وتباع نساؤهم..أليس هذا ما يحصل للمسيحيين واليزيديين في مناطق عراقية؟ يحدث هذا، ولم يخرج علينا حملة سنة الرسول ليصححوا مفهوم "أهل الذمة"، أو يعلقوا على الشنيعة بكلمة. مصطلح "أهل الذمة" كان يطلق على المواطنين غير المسلمين الذين يعيشون في الدولة الإسلامية، ولم يظهر هذا المصطلح في حياة الرسول، ولا في عهد خلفائه.. ففقه "أهل الذمة" تكون في عصر الفتوحات، حيث تم تحويل مواطني الدول المفتوحة إلى ذميين، فرض عليهم ملوك بني أمية، وبني العباس الجزية مقابل بقائهم على دينهم، وعدم اشتراكهم في الحروب، وعمد مقننو "أهل الذمة" إلى آيات قرآنية تتحدث عن أعداء، فطبقوها على مواطنين غير مسلمين، لمجرد أنهم يتشاركون الدين مع الأعداء. ومع ذلك لم تفرض الجزية إلا على الذكور البالغين القادرين.. لم تفرض على شيخ أو أنثى أو طفل، ولم تعصف بمصائر اليهود والنصارى وغيرهم، لا في أديانهم ولا أعراضهم ولا أموالهم كما يفعل الخلفاء الجدد.. ولم تطبق أحكام فقه"أهل الذمة" دائما، فالشعراء والفقهاء والعلماء والأطباء والأدباء غير المسلمين كانوا محل تقدير الملوك الأمويين، والعباسيين، وصولا إلى العثمانيين، ولم تفرض عليهم جزية، بل أن أولئك الملوك ولوا غير المسلمين مناصب عسكرية ومدنية مرموقة.. ولما لاحظ بعض الخلفاء أن أموال الجزية انخفضت بسبب دخول غير المسلمين في الإسلام، سدوا عليهم باب الإسلام! إن فقه"أهل الذمة" قد تجاوزه المسلمون بصورة نهائية، منذ قرن ونصف تقريبا، تماما كما تجاوزوا فقه العبيد والإماء.. لم تعد الظروف والملابسات التي وجد فيها فقه "أهل الذمة" قائمة.. لم تعد قضية "أهل الذمة" موضوع نقاش، لا في الفكر السياسي، ولا في القوانين المعمول بها في الدول العربية.. بجملة صغيرة: لا يوجد" أهل ذمة" في هذا العصر.. يوجد مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو غيره.. لا يعقل أن تصبح الخصومة مع عدو محتمل، يهودي، أو مسيحي، مبررا لاضطهاد مواطنين عرب أو تركمان أو غيرهم لمجرد أنهم يدينون بدين الخصم المحتمل.