كان اللقاء التشاوري، صباح الأمس، في بيت الثقافة بصنعاء بين إعلاميِّي الحديدة، لكنني حضرت ولم أشعر بالتطفُّل.. ربما لتماهي المسافة الجغرافية بين مسقط رأسي بصعفان صنعاء وبين سبع سنين عشتها في الحديدة، هي خليط من سنين يوسف، قضيتها تعليماً وعملاً، اقتراباً من مجتمع القلوب التهامية البيضاء. حضرت مستمعاً في حلقة نقاشية عنوانها القضية التهامية والتفاصيل، استعراض للأوجاع والمعاناة التي تعيشها محافظة يمنية تنطبق عليها ثنائية رقة القلوب ولين الأفئدة، ويتزين أبناؤها حقاً بثلاثية الإيمان والفقه والحكمة. وحيث وقد جلست مستمعاً أبحث لروحي عن مقعد يقربني من سنين عمر في تهامة المحبة والخير، لا بأس من قول ما لم أقله هناك، حيث كان للزملاء من أبناء تهامة موعد مع استعراض أوجاع لن تُرفع بتقليد دعاة التشظي الجنوبي، وأحلام لن تتحقق بالقفز إلى المجهول، وهذا ما كان مستوعباً في حلقة نقاش القضية التهامية. أعجبني في الفعالية أنها بدأت بالسلام الجمهوري، ثم بدأت بآيات من كتاب الله تثير الاعتزاز بحضارة سبأ استحضاراً وحنيناً إلى سيرة اليمن الأولى.. وحرصت وهي تعرِّض إلى صنعاء الفشل الحكومي على الفصل بين صنعاء الجغرافيا والناس وبين صنعاء الإدارة الفاشلة التي سمحت لأن تكون تهامة ملتقى مراكز النفوذ والطمع والظلم على حساب أبناء الحديدة التواقين إلى الانعتاق من كل صور الظلم. في أي نقاش للقضية التهامية يجدر التعاطف، لأن تهامة تختزل قضية كل يمني يبحث عن رمانة الميزان ويستجدي حضور بيضة القبّان، ويطلب من الله أن يحقق له دولة تمشي فيها الرعية رحمة وعدلاً، وتعاملهم بإنصاف من المتسلطين على الأرض وعلى الوظيفة وعلى الأحياء البحرية تحت الماء. الكارثة في تهامة أن من القوى السياسية والجهوية من يجمع بين نهب المقدَّرات وبين نهب القيم الروحية، حيث لا ينصف وإنما يشحن الناس بانفعالات سلبية لتسجيل أهداف سياسية من خلال التحريف بالآراء المتشددة والمتمددة لأخذ الحق بالباطل بما فيه من توليد للعصبيات. وإلى أن تأتي دولة إنصاف أهل تهامة، على طريق إنصاف أهل اليمن، يبقى أبناء تهامة يرددون مع عظيم اليمن، عبدالله البردوني، يرحمه الله: هذه كلها بلادي وفيها كل شيء إلا أنا وبلادي.