تحولت خطب الجمعة إلى ما يشبه نشرات الأخبار السياسية التي نتابعها ونشاهدها في القنوات الفضائية والإذاعات ونقرأها في الصحف والمواقع. فبدلاً من أن يركز الخطباء في خطبهم على تنوير الناس بأمور دينهم ودنياهم كما أمر الله ورسوله، نجدهم يتحولون إلى مذيعين يقرأون نشرات أحزابهم السياسية بل ويصبغونها بصبغة دينية، وهذه كارثة ما بعدها كارثة. لقد أصبح المواطن الآن في حيرة من نفسه فهو عندما يحضر صلاة الجمعة ويستمع إلى نفس الخطاب الذي يسمعه في التلفزيون لا يكاد يدري هل هو في الجامع الذي يفترض أن رسالته الأساسية تكون هي الدعوة إلى الله أم أنه يتابع التلفزيون لأن كل ما يبث هناك يتم تكراره هنا والعكس، واختلط الحابل بالنابل والسياسي بالديني والخطب بالنشرات وأصبح كل شيء محيراً بالفعل، على اعتبار أن كل هذا التخبط الذي نعيشه في بلادنا إنما جاء انعكاسا لتلك الخطابات التي يسمعونها ممن يفترض بهم أن يكونوا دعاة الخير والسلام والأمن لكنهم تحولوا إلى أبواق سياسية لأطراف ومكونات حزبية تسيرهم كما تشاء وفق أجنداتها الخاصة وجعلت منهم مجرد قارئين لنشراتها السياسية وهذه من الكوارث التي حلت ببلاد الإيمان والحكمة أن يصبح العالم تابعاً للسياسي وليس متبوعاً. هل يمكن أن نسمع من هؤلاء الخطباء والعلماء والمشايخ إدانات صريحة للعمليات الإرهابية التي تشهدها بلادنا ويجرمونها وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي حاولت بعض الجهات وبعض المحسوبين على ديننا الإسلامي الحنيف ترسيخها في أذهان المغرر بهم الذين يظنون أنهم بهذه العمليات إنما ينالون رضا الله سبحانه وتعالى وطريقهم إلى الجنة، ولا يعرفون أنهم بهذه الأعمال يغضبون الله ورسوله وسيكون مصيرهم جهنم وبئس القرار كمصير محتوم لأنهم أجرموا في حق الإنسانية وقتلوا النفس التي حرم الله المساس بها وإزهاقها بهذه الطرق الإجرامية البشعة. لو أن هؤلاء الخطباء والمرشدين قاموا بدورهم المناط بهم كما ينبغي لكنا الآن في حال أفضل لكنهم انشغلوا بأمور أخرى وهامشية ودخلوا في زحمة المماحكات الحزبية والسياسية وانقسموا إلى مع وضد، في الوقت الذي كان فيه الناس يتوقعون منهم أن يكونوا هم شوكة الميزان يحتكم الساسة إليهم ويقدمون لهم النصح والإرشاد وفقاً لرسالتهم المفترضة في الدعوة إلى الله وتعزيز قيم الولاء للوطن ونبذ الكراهية والتعصب وتحريم القتل للنفس البشرية التي كرمها الله سبحانه وتعالى.