مازال (اليمن) وسيظل يلوي أعناق العالمين، وهو البلد الذي كان العالم ينظر إليه على أنه الأكثر فقراً وجهالة وتخلفاً ودونية، حتى أن بعض أبنائه للأسف يطأطئون رؤوسهم خجلاً من انتمائهم إليه، ويتملكهم الحياء لأنهم يحملون جنسيته!، مازال وسيظل ذلك (اليمن) يجترح أعظم المآثر ويسطر بماء الذهب في كتب التاريخ أبلغ المعجزات بمقاييس الزمان والمكان، ومازال (اليمن) وسيظل يُذهل الأعداء قبل الأصدقاء، ومازال (اليمن) وسيظل يلقن المتحذلقين والسفسطائيين والسفهاء أبلغ الدروس والعبرات، ومازال (اليمن) وسيظل الرقم ا?صعب في كل الحسابات السياسية الإقليمية والدولية، ومازال (اليمن) وسيظل منبع الغموض والحيرة لكل المحللين السياسيين، ومن يعتقدون أنهم قادرون على سبر أغواره ومعرفة ما يدور فيه ا?ن أو التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه ا?وضاع فيه مستقبلا ولو حتى في الأيام القليلة القادمة، مازال (اليمن) وسيظل بمشيئة الله عصياً على كل المتآمرين والمتربصين والمتأبطين به شراً. ومازال (اليمن) وسيظل مقبرة للخونة ومن باعوا أنفسهم للشياطين ممن يدعون أنهم منتمون إليه، وهم فقط محسوبون عليه في جوازات سفرهم وبطاقاتهم الشخصية، لكنهم أبعد ما يكونون عن وطن ليس كمثله وطن ك(اليمن)، بل هم وصمة عار عليه، ولا يستحقون شرف الانتماء إليه، أولئك بفضل الله صاروا منبوذين مطرودين مخلوعين ملفوظين من ترابه الطاهر، مشتتين في كل أصقاع الأرض حيث يقتاتون زادهم من أسيادهم، وسيظلون مجرد أوراق (تواليت) يستفيد منها أسيادهم كلما أرادوا تنظيف أنوفهم أو مؤخراتهم، ومصيرهم في آخر الأمر في سلة القاذورات حيث يقع مكانهم الطبيعي، بعد أن باعوا أنفسهم بثمن بخس لمن يدفع أكثر، وطاوعتهم عقولهم وقلوبهم وأفئدتهم أن يكونوا خناجر مسمومة في خاصرة أغلى الأوطان. كانت تقديراتهم ورهاناتهم المستندة لجواربهم وقفازات أياديهم محلية الصُنع على صوملة (اليمن) وعرقنته وأفغنته، وسقطت كل رهاناتهم وتقديراتهم وتحولت بفضل الله لرماد تذروه الرياح، فقد راهنوا على أن (اليمن) ستكون الحلقة الأضعف في ربيعهم العبري، وأن النظام فيه لن يصمد أمام مخططاتهم المريضة سوى بضعة أيام، مراهنين مجددا على عدم امتلاكه لنظام أصلاً، أو ربما على هشاشة ذلك النظام (إن وجد)، وذلك وفق ما أوردته تقاريرهم الاستخباراتية الدولية، والتي جعلت عقولهم المريضة تُصَوِّر لهم أن تركيع (اليمن) بمنتهى السهولة واليسر، معتمدين على أن في (اليمن) ترسانة من الأسلحة بيد المدنيين، وأن تناحر اليمنيين قائم لا محالة فيما بينهم البين، وأن المواجهات المسلحة ولعلعة الرصاص ستكون من (طاقة لطاقة)، وأن (اليمن) دون أدنى شك ستغرق في بحار من الدماء. وعلمتهم (اليمن) الدرس بعد الدرس، لكنهم لا يفقهون ولا يتعظون، وكان درسهم الأول عقب قذارتهم وقبحهم الأعظم في جامع دار الرئاسة، وبكل نظريات وحقائق علوم الإدارة والسياسة والاقتصاد والعلوم العسكرية ما كان لأي بلد غير (اليمن) أن تقوم له قائمة وقد تم استهداف وتغييب كل قيادات الدولة فيه، ولكانت أي دولة غير (اليمن) قد انهارت بفعل ذلك الإعصار الفاجر، لكن أعناق اليمانيين وآذانهم وعيونهم ظلت ترصد كل شاردة وواردة عن أولئك الأبطال الذين طالتهم أيادي العمالة والجُبن والغدر والخيانة وهم ركُّع سُجَّد في ضيافة الرحمن، وسقط الرهان الأول، وظل (اليمن) برغم كل ذلك متعافياً يلملم جراحه، حتى وقد بدأ المتآمرون بتنغيص حياة مواطنيه، وتكدير صفو عيشهم، بمحاولة تقطيع أوصاله، وافتعال الأزمات بكل ما يمس عصب بقائهم، ويهدد أمنهم واستقرارهم من ماء وكهرباء وغاز وقطع طرقات ناهيك عن ارتكاب المجازر، وتلك لعمري هي أعظم الموبقات. وعاد ل(اليمن) كل من راهنوا على عدم عودته إليه، برغم كل المغريات المبطنة بالتهديد والوعيد، وعلى رأس أولئك العائدين الأبطال الميامين الرئيس (الصالح)، الذي أبى إلا أن يكون في الظل متوارياً عن واجهة الأحداث، مفوضاً كل سلطاته لنائبه، نزعاً لفتيل أي مفخخات قد يضعها المغفلون الواهمون الطامعون في طريق التسوية السياسية بعد تلك الأزمة الطاحنة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ (اليمن)، ولعل نائبه يحصل على (دورة تدريبية مكثفة) تؤهله لقيادة (اليمن) في مرحلة لاحقة، ومن خلال الاحتكام لصناديق الاقتراع، وليس وفقاً لنواميس فوضاهم الخلاقة. وكان ذلك الدرس الثاني إن كانوا من أولي الألباب. وها هو (اليمن) وليس غير (اليمن) الذي كان ومازال وسيظل بلد الإيمان والحكمة رغم أنف كل الساخرين المستهزئين القائلين بغير ذلك، يلقن اليوم كل دول العالم أبلغ تلك الدروس على الإطلاق، درسٌ مازال ماثلاً بين أيدينا، مجسداً حقيقةً واقعة، تدحض كل أكاذيبهم وهرطقاتهم وتهويماتهم بأن نظام (الصالح) كان نظاماً سياسياً عائلياً بالغ الهشاشة غير قائم على المؤسسات، وها هو (اليمن) يُبهر مجدداً (وسيظل بمشيئة الله) كل المنصفين حتى في مجلس الأمن (الصهيوني)، الذي ظن أعضاؤه الدائمون وراودتهم أحلام يقظة بأنهم قادرون على إخضاع بلد يعتقدونه لقمة سائغة ك(اليمن) للهيمنة الدولية من خلال وضعه تحت رحمة الفصل السابع من ميثاق ما يطلقون عليه (الأممالمتحدة)، ولكن هيهات أن يلحق ب(اليمن) هوان أو مذلة، مهما بلغت غطرسة أعدائه وتعاظمت قوتهم وعُدتهم وعتادهم، فحلت بهم الفاجعة، وصاروا مشدوهين غير مصدقين ما تنقله إليهم أعين مبعوثهم الدولي غير النزيه وتخطه يداه، ها هو (اليمن) تُشرق فيه شمس يوم بعد الآخر وتغيب، وهو بلا رئيس جمهورية ولا حكومة، وتمضي فيه الحياة طبيعية، بل أكثر من طبيعية، ويمضي كل مواطنيه إلى أعمالهم في الدوائر الحكومية ومنظمات القطاع الخاص، ويمارسون حياتهم دون أن يبدو أن لذلك أدنى تأثير عليهم، وأنى لذلك أن يحدث في بلد غير (اليمن). الآن وبعد كل ما تقدم، هل هناك من لا يزال يعتقد أنه يفهم أو يعي أو يُدرك على وجه اليقين حقيقة ما يحدث في (اليمن)؟!، وهل هناك من لا يزال يدعي أنه يستطيع أن يجزم بكيفية إدارة شئون (اليمن) في هذا المنعطف التاريخي؟! وهل هناك من لا يزال يظن أنه قادر على التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في (اليمن)؟!، مهما مضى من يظن أنه يملك صولجان الحكم في (اليمن) في عقد جلساته أمام عدسات كاميرات القنوات الفضائية مع قوى سياسية لا تُمثل إلا نفسها، ولا تسعى إلا لتحقيق مصالحها الخاصة، محاولاً ومجتهداً مع من لا يزال يسير في ركابه ويدور في فلكه ابتكار حلول عقيمة، يعتقد أنها ستنجح في الالتفاف على النصوص الدستورية النافذة المنظمة لواقع الحال غير المسبوق في كوكب الأرض. مخطئ وواهمٌ جداً من يعتقد أن (اليمن) يمكن إدارته عن بُعد بالريموت كنترول، فذلك هو الوهم بعينه، وواهم ومخطئ جداً من يعتقد أنه قادر على استجلاب حلول لمشاكل ومعضلات (اليمن) من خارج حدود (اليمن)، ومتقزم مستحق للرثاء وللشفقة من يعتقد أن الاستقواء بالخارج سيجعله قادراً على الإبقاء على مصالحه الشخصية أو الاحتفاظ بما اغتصبه دون وجه حق من مكانة سياسية لا تعبر عن حجمه ووزنه الحقيقي في أوساط الشعب خلال الفترة الماضية، الحل لن يكون إلا يمنياً، ويمنياً خالصاً، ذلك هو الرهان والتحدي الذي على الجميع أن يستوعبه، ولعل الله يؤلف الأرواح والأجساد بعد أن بلغت القلوب الحناجر.