أيام زمان لما كانت تقام زيارات سنوية للأولياء، كنا نرى مجاذيب، يطحنون صخورا بأسنانهم وأضراسهم، ويمضغون أعشابا مشوكة، ويطعنون أجسادهم بالجنابي حتى يسيل الدم، ويردعون الجدران، وكان عندنا واحد مشهور يتقدم أهل القرية حاملا الراية الخضراء، ويسير على رجل واحدة (يحكل) حتى يصل إلى حضرة الولي في القرية الأخرى البعيدة.. ولما يسأل سائل عن سبب هذا العناء، وعن التحول الفجائي لهؤلاء من أشخاص طبيعيين ضعفاء، إلى أشخاص يسفكون دماءهم، ويرادعون الجدران، ويكسرون الصخور والحطب بأسنانهم، يقال له: لقد اعترتهم نفحات من كرامة الأولياء، أما مجاذيب ابن علوان الذين يمرون بالقرى للتسول فقد كان يقال إنهم لا يحسون بطعنة الخنجر ولا ضربة الفأس في الرأس، لأن الطعنات والضربات تقع على شجرة الخصال التي عند قبر ابن علوان. كثيرة هي الحيل التي كان يستخدمها مجاذيب الأولياء، لخداع الناس، وكلها مكشوفة، بينما كان المجاذيب الأوائل يفيدون من علم الكيمياء، وغيرها من العلوم الطبيعية، فالذين كانوا يستخدمون النار أو الجمر موضوعا لإظهار كرامات أوليائهم، يطلون أجسادهم بمساحيق أحجار مميزة، أو دهون مستخرجة من نباتات وحيوانات معينة.. وقد قيل إن بلدة النبي إبراهيم، وهي أرض البطائح (تقع بين واسط والبصرة في العراق) فيها حجر مشهور يسمى حجر الطلق، إذا طلي به الجسد ثم عرض للنار فإنها لا تحرقه، وكان المجذوب يستخدمها ثم يمسك بالجمر أو يسير عليها فلا تحرقه. هناك أشخاص يدعون أنهم مجذوبون..مجاذيب حقيقيون، عباد أخلصوا العبادة لله فجذبهم إلى حضرته.. وتزعم الصوفية أن المجذوب هو من ارتضاه الله لنفسه، واصطفاه لحضرته، وطهره بماء قدسه، فحاز مواهب يفوز بها في جميع المقامات! وربما كان هؤلاء من قبيل الحسين بن منصور الحلاج، وابن عربي، والشريف الرضي، ومحمد بن فلاح، وأضرابهم من أهل رياضات تخليص النفس من حبس الجسد، والسمو إلى الأعلى، أو الأنوار الشعشعانية، والفناء في الله، حتى لا يدرون ما يدور حولهم! مجاذيب هذه الأيام، جمعوا حيل كل من سبقهم، باستثناء اختلاف الأدوات واختلاف الأولياء.. استخدموا شتى أحجار السياسة، ومساحيق الطلق، وكيمياء الغش، ودهون الوطنية المغشوشة.. في الشوارع يجذبون لظهر الوطن، والدولة المدنية، والدولة العادلة، وفي فنادق الحوار يجذبون من أجل السلم والسلام، وهم في حقيقة الأمر قد جذبوا مزيدا من الخوف والفوضى والفقر والفساد.. يجذبون من أجل اليمن، وهم كذابون، يجذبون لجذب المصالح، وجذب مزيد من الإرهابيين للساحة اليمنية، وجذب رضا وليهم بنعمر، وأشرفهم جذبا من يجذب لجذب الأنظار نحوه.