توهم كثير من قادة العمل السياسي في العام 2011م، أن إلحاق الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعامة الشعب وإخراجه من دائرة الانتساب الأسري إلى علية القوم من الأسر المشيخية الكبيرة في القبائل اليمنية، أقول توهم هؤلاء، أن هذا يضعف مكانة صالح المجتمعية ويحرمه من عصبيات الأسرة والقبيلة. كان الرائي العظيم عبدالله البردوني قد ذكر في كتابه اليمن الجمهوري أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح قد جاء إلى الرئاسة في شمال اليمن حينها "من أنقى الشرائح الشعبية وأكثرها إنتاجاً لأنه من طبقة الفلاحين الذين عجنت تربتهم أنامل الأشعة وقبلات المطر" وقد صدر الكتاب في 1984م، ولم ينكر أحد بعدها انتماء الرئيس صالح إلى أسرة فلاحية في سنحان وإليها ينتسب أصلاً ورحماً. تفاخر الرئيس السابق بنسبه إلى عفاش، ولم يلتفت الشعب إلى دلالات النسب الجديد الذي يصل الرئيس صالح بعامة الناس، ومضت الأيام ووهم الاستعلاء بالنسب والألقاب يذهب بأصحابه بعيداً عن الشعب وعامته الغالبة من الفلاحين والعمال المنتفضين ضد الظلم والفساد لا ضد النسب والألقاب. وحين رأى أصحاب منطق الاستعلاء بالأصل والنسب طائفة من الشعب تحتشد تأييداً لعفاش، وصفوهم بالبلاطجة المأجورين الذين يتقاضون أجراً يومياً لا يزيد عن ألفي ريال مقابل اعتصامهم في ميدان التحرير واحتشادهم في ميدان السبعين، لكن هؤلاء النفر من علية القوم تفاخروا بالإنفاق الهائل من أموالهم على جموع المحتشدين في ساحة التغيير والستين مطالبين برحيل عفاش وتغيير النظام غير آبهين بما قد ينطبق بهذا على الثوار من وصف البلاطجة المأجورين. لم يكن التفاخر بالنسب وبتمويل الانتفاضة الشعبية ضد عفاش والنظام معزولاً عن وهم أصحابه الذين يعتقدون أنهم الأسرة القادرة بقوة قبيلتها على نزع السلطة ممن تشاء ومنحها من تشاء، استنادا إلى خرافة متداولة عن الجد الأكبر وشروط الإمامة في فقه الزيدية، ولقد بالغ هؤلاء في توهم القدرة على التسلط والاستعلاء حتى ظنوا أن الشعب يتبعهم في حالتي الرضا عن الحكام والغضب عليهم، دون نقاش أو اعتراض، وأن غضبهم على عفاش وسخطهم سوف يكون حال الشعب كله بالتمام والكمال. بعد نقل السلطة من عفاش إلى الرئيس هادي، غر هؤلاء نشوة النصر، فأضافوا صفة المخلوع لعفاش بتشفٍ وشماتة، لكنهم لم يلبثوا في غرور نشوتهم كثيراً، فسرعان ما اكتشفوا أن عفاش هو الأقوى في المجال السياسي والأقدر على إدارة الصراع السياسي بالصورة التي آلت إليها الأوضاع في 21 سبتمبر 2014م، حين خرج علية القوم من المشهد الذي بقي فيه عفاش حاضرا بقوة شعبيته ودهاء سياسته. لن نشمت بأحد فالأيام متداولة بين الناس، لكننا نذكر بوقائع من هذه الأيام ناصعة الدلالة على أوهام الاستعلاء بالنسب والعصبيات، والإدانة السياسية للخصوم والأعداء، وأول من نذكرهم بهذه الوقائع والمآلات هو الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ابن الأسرة الفلاحية من سنحان، حتى يجنب نفسه مصير الذين تمادت بهم أوهام القوة المستعلية على الغير بالنسب والألقاب، ويعتبر مما هو عليه الحال من تبدل ومآل. وإجمالاً، أشير إلى أن الصراع السياسي هو في حقيقته صراع بين بشر متساوين في الحقوق والواجبات، ولم يكن هذا الصراع ولن يكون صراعاً بين أشرار وأخيار، أو بين ملائكة وشياطين، والذين توهموا أنهم الخير المطلق مقابل الشر الكامل في عفاش وقعوا في خطيئة الوهم وسوء المصير، وهذا لا يعني أبداً العكس بينهما، بل يعني نسبية الخير والشر في البشر وبينهم، فعفاش كما خصومه بشر مثل كل الناس.