بيان متجرد من الوطنية والشرعية الدينية والقانونية.. وفوق كل ذلك غير أخلاقي حتى من الناحية السياسية.. خطأ فاضح ومسار خاسر على كل الاعتبارات فالمنحاز لوطنه ووطنيته، حتى وإن خسر معركته فإنه بموقفه الوطني حافظ على البيئة الحاضنة له التي تمكنه من الاستمرار في الحياة والعودة بفاعلية ولو مستقبلاً، خلافاً للمنحاز للخارج المستهدف بلده، فإنه يقايض تدمير بيئته الحاضنة التي منها انطلق مقابل افتراضيات بمكاسب مستقبلية (متوهمة) يحققها الخارج الذي- حتى في حال استفادة أي أطراف داخلية من نجاحه- غالباً لا يصح منها شيء، فهو يتعامل معهم على أنهم خونة لوطنهم لا يمكن أن يثق بهم.. كما أن الخارج يبحث عن مصلحة وهدف يحققه.. وبمجرد الوصول إليه يرمي كل الاعتبارات التي ساعدته وينصرف، آخذاً بغيته، ليبقى الوطن مثخناً بجراحه والآلام التي خلفها العدوان جرحاً لا يندمل وخيانة لا تنسى، ما يصعب على المتاجرين به والمتواطئين ضده الاستمرار فيه موثوقين ومعتبرين.. كما أنه لا يمكنهم العودة للحياة، لاسيما بعد تدمير الأرض التي كان يمكنهم الوقوف عليها.. لذلك يعتبر خبراء علم الاجتماع أن الخائن لوطنه حكَم على نفسه بالفناء حتى وإن لم يكن بالضرورة فناءً مادياً، إلا أن فقدان قيمة الانتماء ورابطة العلاقة المتبادلة بين الكيان العام للمجتمع والفرد انتفاء الثقة معه. ليس من مات واستراح بميتٍ.. إنما الميت ميت الأحياء.. فيما حب الأوطان من الإيمان، وحتى لا يظلم الكل بجريرة الواحد يجب أن ننصح الوطنيين الشرفاء في حزب الإصلاح بأن يعلنوا مواقف مشرفة تبرئ ذمتهم أمام الله وتحفظ لوطنهم وأمتهم حقها في حياة كريمة عزيزة حرة مصانة، على النحو الذي أراده الله لمن استخلفهم في الأرض حاملين رسالة الله والسائرين على هداه، ليتحقق ما وعد الله به عباده الصادقين من عز وتمكين، ونجعلهم الوارثين. من واقع استقراء للأحداث في الحروب الست على صعدة، والتي كانت قريبة وعاصرنا أحداثها، كانت السلطة أكثر من مرة أثناء الحرب تقوم بالدعوة لاجتماع العلماء لمناقشة الأحداث فيجتمعون ويُصدرون بياناً بتأييد الحرب وحث السلطة على مواصلتها وإبادة هذه الفئة المارقة المتمردة... الخ، وبمجرد صدور البيان بالكاد يمر عليه 24ساعة إلى 48ساعة بالكثير إلا وتعلن السلطة وقف الحرب من طرفها، وبمجرد ذلك الإعلان تتوقف الحرب، كون الطرف الآخر يدافع عن عدوانهم فبتوقف الاعتداءات تتوقف الحرب. عموماً، كان الكثير من العقلاء يستغربون لماذا حشرت السلطة ما يسمُّون بالعلماء وفضحتهم بتلك الفتاوى باستباحة الدماء وأظهرتهم أنهم علماء سلطة وتجار دين لا يعول عليهم!! أتذكر أن أحد المقربين من السلطة آنذاك سألته: ما السر في ذلك التصرف وتكراره حرباً بعد أخرى؟ فأفاد أن قيادة السلطة تعمل ذلك حتى يفاجأ أبناء تلك المناطق بوقف الحرب ويقبلوا بها كفضل تكرمت به الدولة التي كان بيدها من العلماء صك باستئصالهم.. والملاحظ أن الحاكم آنذاك كان يقوم بذلك دون مبالاة، بما يعود به ذلك على العلماء من فقدان لقيمتهم ومصداقيتهم وانتهاكهم بذلك التصرف أقدس المقدسات الواجبة عليهم باستباحة دماء يجب عليهم شرعاً صيانتها! بتقديري أن الأمر سيتكرر مع العدوان الخارجي الجديد الذي ستتورط فيه بعض القوى غير الوطنية ويكشف ارتباطها به وبمخططاته باستهداف الشعب، ليعزز قدراته التفاوضية معهم بعد فشله في تحقيق أي نجاح عسكري بعد مضي أكثر من أسبوع على بدء عملياته، ولن يبالي بمصيرهم حين يجد طريق أخرى تمكنه من الوصول لما يريده، وقد كان كشفُه أبرز أوراقه في الداخل بمثابة إعلان فشل لعاصفة الحزم التي أعلنها قبل أسبوع، أسفرت عن خسارتها في تحقيق أهداف تذكر، كما لم تعق أي تقدم في الجبهة الداخلية جنوباً.. إلا أن ورقته الداخلية بمجرد ظهور الارتباط بينهما تعتبر أحرقت شعبياً لفقدانها القدرة على التحرك والنشاط، كون المجتمع سيرصد نشاطها وتحركها في مختلف المستويات، ولو بشكل غير منظم.. فقط لمجرد استشعار المجتمع ارتباطهم بالعدو الخارجي سيجدون أنفسهم محاصرين شعبياً بنظرات الريبة والتوجس، وهو ما يجعلهم تحت دائرة الرقابة الشعبية ويفقدهم أي قدرة على تقديم أي خدمات للعدو الخارجي يمكن أن تخدم عدوانه كحليف خارجي معلن لهم، وكل ما يمكن أن يتحقق من إعلان ارتباطهم بالعدوان الخارجي هو تضحيتهم بأنفسهم ككبش فداء من داخل البلد ووسط الضحايا يتحمل مسئولية كل الدمار الذي خلفه عدوان الخارج وتوجه إليه نقمة المجتمع في كل الأضرار التي ستطاله، فضلاً عن إخضاعه- كيانه وتاريخه- لعقاب اجتماعي قاسٍ.. والتاريخ لا يرحم.