عندما أعلن "أبرهة الأشرم" الحرب الصليبية المقدسة، وزحف بجيشه اليمني الحبشي الجرَّار لفرض التوحيد المسيحي على العرب بالقوة، وتدمير الوثنية العربية في معاقلها الصحراوية، تطوَّع "أبو رغال الثقفي" دليلاً لأبرهة، وقدَّم خدماته لجيش الغزاة، ودلَّهم على عورات شعبه وثغرات وطنه، كما يفعل بعضهم اليوم في اليمن وسوريا والعراق ومصر..! كان وغداً مترزقاً مثلهم، ومثلهم كان بلا كرامة ولا شرف، لكنه، للإنصاف لم يكن متبجحا وقحاً مثل هؤلاء الذين يرفعون صور الغزاة، ويظهرون أمام العدسات بكامل أناقتهم وزهوهم، وكأنهم حرروا أراضيهم المحتلة من الأجانب، ولم يدعوا الأجانب لاجتياح بقية أوطانهم.!! الطرب بالحرب، والاحتفال بالاحتلال، والاستقواء بالأجانب والمتربصين، والتحريض على التدخل العسكري، واستدعاء القوى الطامعة، بعد إهلاك الحرث والنسل وتدمير كل ما يمكن تدميره.. هذه المفردات النافرة في قاموس السياسة العربية المعاصرة لا وجود لها بنفس الدرجة في أيِّ قاموس عربي سابق، ولا في أيِّ قاموس آخر، حتى في خيالات أعداء العرب وأماني إسرائيل.. هذه الأعمال الزنيمة التي تخجل الشيطان نفسه، لا تخجل الفضائيات العربية المنهمكة بصناعة الكوارث، وتزويق أحفاد "أبي رغال"، وجعلهم جديرين بالأوسمة الوطنية في حياتهم، وبالأنصاب التذكارية، المضمخة بالتحايا والورود بعد وفاتهم. بعد موته أصبح "أبو رغال" رمزاً شهيراً للخيانة القومية، دفنه العرب ظاهر مكة، وبنوا على قبره عموداً صغيراً ظلوا يرمونه بالحصى واللعنات، في كل موسم، كما يفعلون عادةً في جمرة العقبة، تأبيداً للعنة الخيانة، فمثل هؤلاء لا يمثلون أشخاصاً، بل ظواهر يجب أن تكون دائماً محلاً للرصد والرفض والإدانة والاستهجان.