من أين أبدأ الحديث عن هذين الأخوين اللذين يجري فن الإنشاد في دمائهما كما يجري العطر في عروق الوردة.. ثنائي جميل ورث جينات الإنشاد كما يتوارث الناس وصايا آبائهم، ورائحة أمهاتهم، وحكايا الجدات.. "لي في رُبى حاجر".. أستمع إليها الآن.. ها هي تعصرني كبرتقالة.. تنثرني كحفنة زُرقيف.. وتطيِّر في دمي أسراباً من العصافير.. يا للاه يا للاه يا لا لاه.. كما لو أنهما يلعبان بكريات دمي لعبة البولينغ، فيتطاير الضوء والعطر، ويورق خشب النافذة.. صوتان.. كأنهما كأسان من عصير الموسيقى.. كأنهما قطرتان من ندى تكتحل بهما عيون الصباحات.. غيمتان تكتبان، فوق تشقّق الروح، سيرة الماء.. أترنَّح في "طرب سجوعه"، وأكاد أسمع الصبح وهو يشقّ جيبه، فأضع الخيط والإبرة جانباً.. "أسالَ نفسي من مجاري الدموع".. لا شيء، سوى أني أسمع صوت الخرير!! وأشعر بيدٍ تسحب مناديل روحي، واحداً تلو الآخر..