لم يكن القصف الإسرائيلي الذي استهدف مقر إقامة بعض قيادات حركة حماس في الدوحة حدثا عابرا أو مجرد انتهاك جديد لسيادة دولة عربية، بل كان فعلا سياسيا بامتياز، يحمل رسائل صريحة وأخرى مبطنة موجهة إلى العرب جميعا. إسرائيل لم تكتفِ هذه المرة بإظهار عضلاتها، بل تعمدت أن تقول للعالم، وللأنظمة العربية تحديدا: طبعوا تسلموا. هذا التحول يكشف أن إسرائيل تجاوزت مرحلة الصراع المحصور في فلسطين، لتفتح جبهة أوسع مع العرب والمسلمين كافة العين الحمراء للعرب لطالما كان الصراع العربي- الإسرائيلي حافلا باغتيالات واعتداءات نفذها الاحتلال ضد شخصيات ودول عربية. غير أن الفرق بين الماضي واليوم واضح: فإسرائيل في السابق كانت تخفي يدها، وتستعين بجهاز "الموساد" لطمس بصماتها، أما اليوم، وفي ظل التشتت العربي الذي تكرس بعد أحداث الربيع العربي، فقد صارت تنفذ عملياتها علنا، بل وتتباهى بها دون أي اكتراث بالقوانين أو الأعراف الدولية. هذا التحول يكشف أن إسرائيل تجاوزت مرحلة الصراع المحصور في فلسطين، لتفتح جبهة أوسع مع العرب والمسلمين كافة. لم تعد تميز بين دولة وأخرى، بل باتت مستعدة لاستهداف أي نظام لا يهادنها أو يرفض الدخول في دائرة التطبيع. التطبيع أو التهديد من خلال قراءة الخطاب الإسرائيلي المواكب لهذه العمليات، يبدو جليا أن الرسالة موجهة قبل كل شيء إلى الدول العربية التي لم تلتحق بعد بركب التطبيع. فالمعادلة التي تريد إسرائيل فرضها بسيطة: التطبيع طريق السلام والأمان، ورفضه يعني أن لا أحد بمنأى عن مرمى الصواريخ الإسرائيلية. بهذا المنطق، تحاول تل أبيب استخدام لغة الترهيب بدلا من لغة الحوار، مستغلة حالة الانقسام العربي، ورهان بعض الأنظمة على علاقات سرية أو علنية مع إسرائيل لحماية مصالحها. إن أخطر ما تحمله هذه العملية ليس خرقا لسيادة دولة عربية فحسب، بل تهديدا مباشرا لبقية الدول: من لم يطبع فلينتظر دوره. وهنا تكمن الحاجة الملحة إلى موقف عربي موحد قطر.. وصمود الموقف ورغم أن الدوحة تمسكت بموقفها السيادي وأكدت حقها في الدفاع عن أراضيها، بل وانتزعت إدانة دولية واسعة شملت حتى الولاياتالمتحدة، الحليف الأول لإسرائيل، فإن هذه المواقف تبقى غير كافية على المدى الطويل. فالتجربة أثبتت أن الإدانات الدولية لا توقف خروقات الاحتلال، ولا تحمي الدول العربية من استباحة سيادتها. إن أخطر ما تحمله هذه العملية ليس خرقا لسيادة دولة عربية فحسب، بل تهديدا مباشرا لبقية الدول: من لم يطبع فلينتظر دوره. وهنا تكمن الحاجة الملحة إلى موقف عربي موحد، لا يكتفي بالتنديد، بل يعمل على وقف مسلسل التطبيع الذي لم يجلب للعرب سوى الخزي والانقسام، وأضعف القضية الفلسطينية بدل أن يقويها. فالرسالة الإسرائيلية واضحة، والرد العربي يجب أن يكون أوضح: السيادة لا تُجزأ، والقضية الفلسطينية لا تُساوم.