في إدانة دولية جديدة، أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السعودية تتعمد تدمير الاقتصاد اليمني وبناه التحتية، داعية إلى تعليق عضوية المملكة في "مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان"، كما حملت الولاياتالمتحدة مسؤولية ما يحدث. وقالت هيومن رايتس ووتش في تقرير صادر أمس إن "غارات قوات التحالف بقيادة السعودية قصفت بشكل غير قانوني مصانع ومستودعات ومنشآت اقتصادية مدنية أخرى في اليمن"، وأن ذلك يتم في غياب تحقيقات ذات مصداقية وحيادية ورفض سعودي بتشكيل لجنة تحقيق دولية. التقرير الموسوم ب"قصف المنشآت التجارية: غارات التحالف السعودي على البنى الاقتصادية في اليمن"، يحقق في 17 غارة غير قانونية، أكد التقرير أنها استهدفت 13 موقعاً اقتصادياً منها مصانع ومستودعات تجارية ومزرعة ومحطتي كهرباء، وقتلت 130 مدنياً وجرحت 171 آخرين، وحرمت 2500 شخص من أعمالهم وتوقف تلك المصانع عن العمل مع وجود أكثر من 20 مليون شخص في اليمن في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات على المصانع والمنشآت الاقتصادية المدنية الأخرى مجتمعة تثير مخاوف جدية من أن التحالف بقيادة السعودية تعمّد إلحاق ضرر واسع بقدرات اليمن الإنتاجية. وقالت برايانكا موتابارثي ، باحثة أولى في قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش، وكاتبة التقرير، "يبدو أن الضربات الجوية المتكررة على المصانع المدنية تهدف إلى الإضرار باقتصاد اليمن المنهار أصلا لفترة مستقبلية طويلة. لم تُظهر السعودية، أو أعضاء التحالف الآخرين، أي اهتمام بفتح تحقيقات في الهجمات غير القانونية، أو حتى تعويض الضحايا عن الأرواح والممتلكات المفقودة". قابلت هيومن رايتس ووتش ضحايا وشهود عيان في مواقع متضررة في محافظتي صنعاء والحديدة في مارس/آذار 2016. كما بحثت عن أهداف عسكرية محتملة في المناطق المجاورة، وفحصت بقايا الذخائر الموجودة. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يجب تعليق عضوية السعودية في "مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان" إلى أن تتوقف عن شن غارات غير قانونية أو توافق على إجراء تحقيقات تلبي المعايير الدولية أو فتح تحقيق دولي مستقل. مؤكدة أنها لم تعلم بأي تحقيقات ذات مصداقية أجرتها السعودية أو أعضاء التحالف الآخرين في هذه الغارات، أو أي غارات غير شرعية أخرى مزعومة، ولا بأي تعويض للضحايا. يتابع التقرير: وصف رؤوف محمد السيدة (25 عاما)، يعمل في ورشة خياطة وتطريز، وأصيب في إحدى الغارات، عملية إنقاذ زملائه العمال: "سمعت الانفجار فجئت إلى هنا... للبحث عن العمال الآخرين [المصابين] .... كان أحد العمال تحت الأنقاض. اضطر المدير للاتصال بهاتف العامل لكي نعرف موقعه لإنقاذه. آخر من انتشلناه من تحت [الحطام] كان صبيا [16 عاما] ... ساقاه عالقتان تحت هاتين الكتلتين الكبيرتين ... كان جسده متفحما". وكما ورد في التقرير "يبدو أن جميع هذه الهجمات انتهكت القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، وبعضها قد يرقى إلى جرائم حرب. تحظر قوانين الحرب الهجمات المتعمدة على الأعيان المدنية، والهجمات التي لا تميز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، والهجمات التي تضر بشكل غير متناسب بالأعيان المدنية مقارنة مع المكاسب العسكرية المتوقعة. تشمل الأهداف المدنية المصانع والمستودعات والمنشآت التجارية الأخرى طالما لم تُستخدم لأغراض عسكرية أو تُحول إلى هدف عسكري. أي هجمات متعمدة ومتهورة ضد أهداف مدنية هي جرائم حرب. وأضافت هيومن رايتس ووتش إن الضربات الجوية زادت من تدهور الوضع الاقتصادي، مع حاجة أكثر من 80 بالمائة من سكان اليمن إلى بعض أشكال المساعدة. وقالت إن الحكومة السعودية أصدرت في 27 مايو/أيار بيانا تؤكد فيه أن قوات التحالف حرصت على "التقيد بقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان كافة في جميع عملياتها العسكرية". وأشار البيان حكومة السعودية إلى قيام فريق تحقيقات مستقل ومتميز متمركز في مقر سلاح الجو بالتحقيق في أي مزاعم حول استهداف مدنيين أو منشآت مدنية. ولكن "لم تعثر هيومن رايتس ووتش على أدلة تدعمها ولم يرد المسؤولون السعوديون على طلبات متكررة للحصول على معلومات بشأن الهدف المقصود من الضربات الجوية الموثقة في التقرير أو أي تقارير سابقة، أو عن سير التحقيقات". وحمّل بيان هيومن رايتس ووتش الولاياتالمتحدة أيضا مسؤولية التحقيق في أي غارات جوية شاركت فيها لأنها كانت طرفا في النزاع منذ أشهر القتال الأولى. وأوردت المنظمة الدولية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها بعض التصريحات الأمريكية بمشاركتها مع السعودية، "في يونيو/حزيران 2015، قال متحدث عسكري أمريكي إن الولاياتالمتحدة تساعد التحالف بتقديم "الدعم الاستخباراتي وتبادل المعلومات الاستخباراتية، التي تهدف إلى المساعدة والدعم الاستشاري، والدعم اللوجستي، وتشمل التزود بالوقود جوا، مع ما يصل الى طلعتين للتزويد بالوقود يوميا". وفي مارس/آذار 2016، صرح مسؤول أمريكي، "ما نقوم به من توفير للمعلومات الاستخباراتية والذخائر دقيقة التوجيه يساهم في منع سقوط ضحايا مدنيين". وقالت هيومن رايتس ووتش أنها وجدت بقايا ذخائر موجهة بالأقمار الصناعية أو موجهة بالليزر أمريكية الصنع مستخدمة في 3 مواقع استهدفتها الغارات، 2 منها تسببت في إصابة مدنييْن. المملكة المتحدة قدمت أيضا مساعدات للتحالف السعودي. قالت وزارة الدفاع البريطانية إنها تقدم "دعما تقنيا، وأسلحة موجهة بدقة، وتبادل معلومات مع القوات المسلحة في السعودية". وجدت هيومن رايتس ووتش بقايا ذخائر موجهة مصنعة في المملكة المتحدة في موقعين مقصوفين – من ضمنها ذخيرة منتجة في مايو/أيار 2015، أي بعد بداية الحملة الجوية. كما وجدت بقايا صاروخ كروز بريطاني الصنع قتل أو جرح مدنيين في موقع ثالث. دعت هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الدولية واليمنية الحكومات الأجنبية إلى التوقف عن إمداد أطراف النزاع في اليمن بأي أسلحة أو ذخائر أو معدات عسكرية، "حيثما هناك خطر حقيقي لاستخدام تلك الأسلحة في اليمن لارتكاب، أو تسهيل ارتكاب، انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان." قالت موتابارثي، كاتبة التقرير "عوّلت الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة على السعوديين للتحقيق في الهجمات غير القانونية، رغم أنه لا يوجد ما يضمن جدية التحقيقات أو نشر نتائجها للعلن. تستفيد هاتان الحكومتان من بيع أسلحة بالمليارات، ثم تزعمان تقديم مساعدات للمدنيين اليمنيين، دون القيام بأي شيء يؤكد صحة هذه المزاعم". بيان هيومن رايتس ووتش أورد حالتين من الجرائم التي ارتكبها العدوان السعودي بحق الاقتصاد اليمني؛ مصنع ردفان للمياه المعدنية في لحج ومصنع كوكاكولا في صنعاء. دراسة حالة: مصنع ردفان للمياه المعدنية بمحافظة لحج يوم 25 مايو/أيار، ابتداء من الساعة 4 صباحا، ألقت طائرات التحالف بين 8 و10 قنابل على مصنع ردفان لتعبئة المياه المعدنية. المصنع مغلق ليلا، لكن بعض العمال ينامون فيه. ضربت القنابل المصنع لفترة 20 دقيقة، وأُصيب موظفان. أتلفت الغارات المولدات وخط الإنتاج وعدة مبان في مجمع المصنع، كما أصابت أماكن نوم العمال. قال أحد عمال المصنع ل هيومن رايتس ووتش: كنت أغط في النوم... فجأة سمعت انفجارا [مهولا] أيقظني أنا وعاملين آخرين. طلبت [من أحدهما] الذهاب والتحقق مما حصل... بعد أقل من 5 دقائق، هرع أحد الحراس نحونا قادما من المولدات وهو يصرخ "اهربوا! اركضوا! إنهم يقصفوننا". ركضنا في ملابس النوم دون أحذية، والتقينا عند بوابة المصنع ... [ثم] جدّت غارة أخرى، وطرنا [في الهواء]. قال 3 من موظفي الشركة الذين قابلناهم إن المصنع ليس فيه أي أسلحة أو معدات عسكرية. ألحقت الغارة الجوية أضرارا كبيرة بالمصنع، فتوقف عن العمل. يعمل في المصنع حوالي 300 عامل، باتوا من دون مورد. أصابت الغارات الجوية أيضا 3 منازل في قرية مجاورة، ما أسفر عن مقتل 6 مدنيين على الأقل – بينهم 4 أطفال وامرأة – وأصابت 4 آخرين – 3 أطفال وامرأة – وفقا لأحد أقاربهم. ظن القريب أن الغارات الجوية استهدفت منازل أعضاء تنظيم القاعدة في المنطقة. قال إن ابن عمه، الذي توفي في الغارات، يعيش في المنزل المجاور لعضو في تنظيم القاعدة. راجعت هيومن رايتس ووتش صورا للموقع ومخلفات ذخائر جلبها موظفو المصنع، وخلصت إلى أن البقايا هي لقنبلة "بيفوي 4" الموجهة بالليزر - "إم كاي-82" (500 رطلا). الهجوم على مصنع تعبئة المياه غير قانوني طالما أنه لم يُستخدم لأغراض عسكرية مثل إنتاج أو تخزين البضائع المعدة للاستخدام العسكري. قال موظفان إن قوات موالية للتحالف تسيطر على المنطقة التي يقع فيها المصنع، ولذلك اعتبر العاملون وإدارة المصنع المنطقة آمنة. قال أحد الموظفين أيضا إن المنطقة لم تُستهدف بأي قصف جوي من قبل. كان ضابطان عسكريان تابعان للتحالف قد فتشا المصنع قبل أسبوعين من الغارة واقتادا 4 رجال، ينحدرون من شمال اليمن، إلى الاحتجاز. لم يخبر الضباط الموظفين أنهم وجدوا أي معدات عسكرية أو أن لديهم مخاوف بشأن المصنع. دراسة حالة: مصنع كوكا كولا، مدينة صنعاء في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، بداية من الساعة 8:25 مساء، ألقت طائرات التحالف 3 قنابل على مصنع كوكا كولا قبالة شارع المطار شمال صنعاء. ضربت القنابل المصنع لعدة دقائق، ما أدى إلى إصابة 5 موظفين. دُمرت المواد الخام المستخدمة في إنتاج المشروبات الغازية، والمولدات، وخطوط إنتاج العبوات الزجاجية والبلاستيكية. يبدو أن الهجوم انتهك قوانين الحرب. كان أحمد طاهر مبخوت، 43 عاما، أحد باعة الشركة، يقف بجانب مولد المصنع عندما حدثت الغارة الجوية: لم أسمع القنبلة الأولى، لأن صوت المولد عال جدا. لكنني رأيت النار. عندما حدثت الغارة الثانية، كنت قرب مخرج [المصنع]. عندما سقطت الثالثة، صرت في الشارع. سقطت القنابل الثانية والثالثة داخل عنبر المصنع. أصيب مبخوت في القنبلة الأولى: أصبت بشظايا معدنية في ساقيّ. قضيت شهرين في المستشفى، وأجريت 3 عمليات حتى الآن. ما زلت في حاجة إلى عملية أخرى، وجروح ساقي اليمنى مازالت مفتوحة لأنهم اضطروا لزرع رقعة جلدية أزيلت من أعلى الفخذ. يعمل 600 عامل في المصنع قبل الحرب، لكنه اضطر إلى تسريح 370 منهم بعد التفجير