لما أراد المؤتمر الشعبي العام في إحدى دورات حكمه وما أكثرها الإمساك بمفاصل البلاد وضبط مسارات الأداء الحكومي تبنى فكرة تأهيل كوادر متخصصة تم إعدادها من داخل كلية الشرطة، وأعدت للقيام بمسئوليات ومهام ما كان قد ظفر بها سلف ولا خلف، وكانت تجربة مدراء النواحي التي عرفناها جميعا ومثلت واحدة من أفضل تجارب النظام. ومع ما كان يتمتع به مدير الناحية من صلاحيات وما يمثله موقعه من أبهة غير مسبوقة فقد كان مدير الناحية مدير ناحية يخضع لسلطات وتسلسل إداري، ويمكنك التقاء مدير الناحية متى شئت ودعت الحاجة لذلك،كما يمكنك التظلم به وتقديم شكوى ضده إذا ما دعت الحاجة لذلك أيضا. أعرف أن المقارنة بين مدير الناحية آنذاك والمشرف اليوم غير منصفه لأسباب وعوامل شتى، غير أن ذلك يخلق حالة من التساؤل عن الأسباب والموانع التي تحول دون تأهيل وإعداد المشرفين لضبط إيقاعات بعضهم وتوعية مدارك المشرف الإدارية ليستوعب مهامه المناطة به ويتعاطى مع عمله باعتباره خادما للأمة لا وصيا عليها، مسئولا عن رعية، إن جاز القول، لا راعيا لقطيع بشري. البعض من هؤلاء -وإن كانوا قلة- يذكروننا بطاغية السودان البشير الذي ما انفك يشهر عصاه أمام شعبه، وهو يتلو تسبيحاته بفم ملؤه نقمة ولسان حاله يردد (ولي بها مآرب أخرى). لا يمكنك أن تجده، وإن وجدته صدفة فهو حالة من الكبرياء والعجب المبالغ فيه إلى درجة تخاله معها نسخة مصغرة من الرئيس معمر القذافي رحمه الله، فقد كان قائد الثورة، وعميد الحكام العرب، وملك ملوك أفريقيا، وأمير المسلمين في العالم أجمع، وهو مؤسس النظام العالمي الجديد وصاحب النظرية العالمية الثالثة، ولا أعلم ماذا كان يطلق عليه المحيطون به وأسرته من ألقاب أخرى. بعض المشرفين يمتلك كل هذه الصفات حتى أن أفراده وكوادره لا يجدونه في أغلب الأحيان فهو المشغول دوما، والحاكم بأمره. العجيب أن هؤلاء يتجاوزون المنهج الذي تعلمونه، يتجاوزون تعليمات قائد الثورة، وخطبه الخاصة والعامة، ويتجاوزون كل شيء قابل للتجاوز وغير قابل، ثم لا يلوون على شيء.. وما أكثر ما ينتجون من خصومات داخل المجتمع، ويصنعون أندادا، وحسبهم أن يحيطوا أنفسهم بثلة من الانتهازيين النفعيين وليذهب كل شيء إلى الجحيم، ولست أدري ما الذي مكنهم من سلطات غير مكفولة يقيمون بها ويقعدون الناس؟ وما إذا كان هذا في صالح المسيرة والوطن أم لا؟ على أنه من الضرورة بمكان أن تولي القيادة الإشرافية هذا الجانب اهتماما حقيقيا ورعاية جادة تسقط عن هذا البعض حججه في التفرد بالقرار ومبرراته في المكوث على أريكة الأمراء وفرش السلاطين. وهذه دعوة للأستاذ الفاضل خالد المداني للوقوف على حالات من هذا القبيل في أمانة العاصمة.