الهجوم اليمني على الفرقاطة السعودية، واختلاق البيت الابيض لأسطورة خطرة في مؤتمر صحفي غريب الخميس، وجه كبير المتحدثين باسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتهاما لإيران عن الهجوم على المدمرة الأميركية في اليمن - وهو الهجوم الذي لم يحدث أبدا. القصة وراء هذا الحادث الوهمي، تؤكد كيف يمكن للمصادر المجهولة، أو عن طريق الصحفيين السذج أو عن طريق السكرتير الصحفي للبيت الأبيض الكاذب، أن تؤدي إلى خلق أسطورة خطرة. إليكم مجريات الأسطورة الوهمية: يوم الاثنين، ضرب الحوثيين والقوات الموالية في اليمن - الذين هم في حالة حرب مع المملكة العربية السعودية وحلفائها - الفرقاطة السعودية في البحر الأحمر، وبحسب تقارير صحفية أسفر عن مقتل اثنين من طاقمها، ولحقت أضرار بالسفينة. الفرقاطة كانت تشارك في الحصار البحري على ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون وقوات صالح. التقارير الواردة من وزارة الدفاع الأميركية يوم الثلاثاء، قدمت شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأميركية ادعاءات خيالية ومن الصعب تصديقها. وقالت الشبكة نقلا عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية لم تذكر اسمهم إن "الهجوم الانتحاري المدعوم من إيران" على الفرقاطة السعودية "قد يكون المقصود منه سفينة حربية أميركية". ادعت "فوكس نيوز" في خبرها بأنه مبني على تحليل مسؤولين في المخابرات الأميركية من شريط فيديو يظهر الهجوم. في شريط الفيديو، الذي عممه الحوثيين، صرخوا: الله أكبر! مرتين على الفور بعد الانفجار، تلاها شعار الحوثيين: "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وقال مقدم فوكس نيوز التلفزيونية للمشاهدين إن هذا الهجوم "يمكن أن يكون لها آثار وخيمة على الجيش الأميركي" (..). من المعروف أن الحوثيين استخدموا هذا الشعار لسنوات، ولذا من الحماقة أن يعتقد شخص أن الحوثيين كانوا يقصدون أنهم ضربوا سفينة حربية أميركية، ناهيك عن سفينة إسرائيلية. ومع ذلك، يبدو أن تقييم "الاستخبارات" الأميركية، كما ذكرت "فوكس نيوز"، قد تم على أساس "الصرخة الحوثية"!. في إعلانهم الأصلي للهجوم، لم يقل الحوثيين والقوات المتحالفة ولم يشيروا الى أنهم استهدفوا سفينة أميركية حربية، لكنهم حددوا بشكل واضح أنهم استهدفوا "فرقاطة سعودية" واسمها "المدينة". وقال الحوثيون أيضا أنهم ضربوا الفرقاطة بصاروخ، لكن "فوكس نيوز" تصر أنه كان هجوما انتحاريا. ويبدو أن التقرير الأولي الذي يزعم بأن الهجوم "انتحاري" جاء من وكالة الأنباء الحكومية السعودية "واس" والذي يشير إلى هجوم من قبل ثلاثة "زوارق انتحارية". ويمضي التقرير السعودي بالقول: "أحد الزوارق اصطدم بمؤخرة السفينة مما نتج عنه انفجار الزورق ونشوب حريق في مؤخرة السفينة". لكن عند متابعة قراءة التقرير، ترى حالة الارتباك الواضحة، عندما أضاف بالقول: "أن القوارب لاذت بالفرار، وأن سفن قوات التحالف واصلت متابعة الزوارق الهاربة والتعامل معها" (..). وبما أن النسخة العربية من التقرير أشارت بصيغة "الجمع" أن كل القوارب الثلاثة فرت. وإلا إذا كانت قد دمرت احدهما وتمكن القاربان الآخران من الفرار، فإن الصيغة النحوية ستتطلب استخدام صيغة "المثنى" بدلا من صيغة الجمع. ومع ذلك، يمكن أن يكون ذلك مجرد نتيجة الكتابة الغامضة. على العموم، التقارير السعودية من هذا النوع ليست جديرة بالثقة كما تلك التي ينشرها الحوثيون وقوات صالح. وفي هذه المناسبة، يبدو أن الحوثيين وصالح هم أكثر صدقاً لقول الحقيقة. ولذا ليس هناك ما يكفي من الأدلة للتصديق بأن الهجوم كان "انتحاريا" كما ادعت "فوكس نيوز" و "واس" السعودية. من المعروف أن الهجمات الانتحارية ليست جزءا من تكتيكات الحوثيين والقوات المتحالفة معهم، فهم عادة يستخدمون صواريخ كما عملوا في هجمات سابقة على السفن في البحر الأحمر. وأكثر ما يؤكد أن الهجوم كان صاروخياً، عند النظر إلى شريط الفيديو ترى كرة من اللهب تتصاعد من البنية العلوية للسفينة. وإذا كانت السفينة اصطدمت بواسطة قارب صغير وانفجر بعد ذلك كما تدّعي الرواية السعودية ورواية "فوكس نيوز"، هنا فإن بدن السفينة سيلحق به الضرر. لكن الرواية السعودية لم تذكر أن بدن السفينة قد لحقه الضرر، بل على العكس تابعت بالقول إن الفرقاطة استمرت بمزاولة أعمالها بعد أن تم إخماد الحريق. وعلى سبيل المقارنة، في هجوم تنظيم القاعدة الانتحاري على المدمرة الأمريكية كول في عام 2000 - حيث نفذ الهجوم اثنان من الرجال بزورق مطاطي محمل بالمتفجرات - فجر حفرة طولها 40 قدما في جانبها، ما جعلها غير صالحة للملاحة تماما. باختصار شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، لديها تاريخ من التصعيد الهستيري المقصود عن الصراع في اليمن. الرواية الاسطورية لم تتوقف عند هذا الحد، بل ذهبت الى ما هو أبعد من ذلك، يوم الخميس، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض شون سبايسر، أكد خطأً في مؤتمر صحفي أن السفينة الحربية - التي ضربها الحوثيون وحلفاؤهم - كانت أميركية وأنها تعرضت للهجوم من قبل إيران. وقبل ذلك بيوم، ندد مستشار الأمن القومي، الجنرال المتقاعد مايكل فلين من إجراء إيران تجربة صاروخية. ورداً على سؤال حول هذا في مؤتمر صحفي يوم الخميس، أجاب سبايسر: "أعتقد أن الجنرال فلين كان محقاً (أمس) إن إيران انتهكت القرار المشترك، إلى جانب الأعمال العدائية الإضافية لإيران عندما استهدفت سفينتنا البحرية" (..). وبحسب موقع صحيفة "ذي انترسيبت"، تدخل صحفي من "سي بي اس نيوز" مشيرا إلى سبايسر أن السفينة في الواقع كانت سعودية ولم تكن أميركية. وبهذا وافق سبايسر وقال: "آسف، شكرا لك، نعم سفينة سعودية" لكنه لم يصحح الاتهام الباطل بأنها تعرضت للهجوم من قبل إيران. يبدو أن نظام ترامب حريص على مواجهة إيران، كما أن التصريحات المناهضة لإيران على مدى الأيام القليلة الماضية قد يقصد بها جزئيا صرف الانتباه عن العملية الأميركية الكارثية على مخبأ لتنظيم القاعدة في اليمن والتي أسفرت عن مقتل جندي أميركي، وفقدان طائرة هليكوبتر وعدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين اليمنيين. ويوم الأحد، بحسب وكالة الأنباء الحكومة السعودية، كانت وجهات النظر بين ترامب والعاهل السعودي - في المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما - "متطابقة" على جميع القضايا التي تمت مناقشتها، بما في ذلك "مواجهة أولئك الذين يسعون إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى". من خلال قيامهما بذلك، يبدو أن كلاهما يتتبع خط الدعاية المألوف بأن الحوثيين وكلاء لإيران، على الرغم من عدم وجود أدلة كافية تؤكد ذلك. السعوديون، من ناحية أخرى، لديهم تاريخ طويل من التدخل واسع النطاق في اليمن وفي الصراع الحالي المستمر بدعم بريطاني وأميركي كبير.