في الظروف الاعتيادية تكون المهلة التي يعطيها مجلس النواب للحكومة لتنفيذ واجب من واجباتها قراراً مسئولاً، ويستطيع المجلس النيابي سحب الثقة عن الحكومة ليتم تشكيل حكومة أخرى تقوم بتنفيذ التزاماتها وأداء واجباتها، لكننا لا نستطيع القول إن ذلك ينطبق على المهلة التي حددها بالأمس مجلس النواب لحكومة الإنقاذ الوطني لصرف المرتبات، فهذا القرار ليس أكثر من تملص من المسئولية وإلقاء اللائمة على الحكومة وحدها في هذه القضية. المجلس النيابي وهو يضع هذه المهلة يعرف مثلنا أن الحكومة لن تستطيع صرف المرتبات خلال المهلة المحددة، وأنه لو كان لديها القدرة على ذلك لفعلت فوراً، لتثبت نجاحها في مواجهة كل جهود العدوان لإفشالها منذ اتخاذ قوى الصمود قرار تشكيلها كبديل وطني عن حكومة المرتزقة، ولا يوجد سبب منطقي واحد أو مصلحة تدفعها لمنع صرف المرتبات إذا كان ذلك ممكناً. ربما كان الأجدى بمجلس النواب أن يستدعي الوزراء المعنيين لمناقشة ما يمكن فعله تجاه معضلة المرتبات وعوائق تحصيل الإيرادات الممكنة وجوانب الفساد والمسئولين عنه.. إلخ. الجوانب الموضوعية والحلول العملية وفقاً للإمكانات المتاحة، بعيداً عن المزايدات بلا إفراط ولا تفريط.. أما هذه المهلة الخرافية التي حددها المجلس للحكومة فلن تؤدي إلى صرف الراتب، وإنما ستضع المجلس بعد أسبوع أمام خيارين، إما السكوت على تجاوز قراراته، وهذا يؤثر على احترام الداخل والخارج لهذه المؤسسة الدستورية، ويضعف دورها كممثل شرعي للشعب معترف به، وإما أن يقوم بسحب الثقة عن حكومة الإنقاذ ويطيح بكل الجهود التي بذلتها القوى الوطنية لإيجاد الصيغة الدستورية التي تجمع جبهة الصمود في كيان واحد يمثلها في مواجهة العدوان، وتقدمه للعالم كبديل عن حكومة المرتزقة، وحتى لو سلمنا بأن خيار سحب الثقة عن حكومة الإنقاذ سيأتي بحكومة أخرى، فالواقع يقول إن تشكيل حكومة أخرى ولو برئاسة جبريل الأمين وعضوية أولي العزم من المرسلين لن تتمكن من صرف المرتبات في ظل بقاء الأسباب الموضوعية القائمة التي تمنع من صرفها. لعل من الأفضل أن يراجع مجلس النواب قراره بتحديد هذه المهلة قبل انتهائها، حتى لا يجبر ونحن معه على مواجهة أحد الخيارين السابقين ويزيد طيننا بللاً.