تظاهرة قوى الحراك الجنوبي بذكرى الجلاء، والتي نظمت الجمعة بعدنأعادت الرئيس علي سالم البيض إلى واجهة المشهد السياسي في البلاد محاطاً بشعاراتالعودة إلى زمن التشطير. البيض ظل محاصرا بقيادات جنوبية بارزة تتواجد في الخارجوتنشط في الجنوب وفق أجندة تحددها الجهات التي تمول هذه النشاطات، وكان انعقادمؤتمر المجلس الأعلى للحراك الجنوبي الشهر قبل الماضي بدعوة من حسن باعوم هو آخرالضربات التي تلقاها البيض لكنه تجاوزها معلنا نفسه بقوة في تظاهرة عيد الجلاءوالتي خلت من أي حضور لقيادات الجنوب التاريخية التي نازعت البيض الزعامة علىالداخل. تظاهرة الجمعة الماضية والحضور غير المعهود مثل رسالة قوية لخصوم البيضالجنوبيين وقيادات السلطة المركزية بصنعاء حتى وإن كان الحضور الكبير في إطارانتصار لقضية كبيرة وليس نزولا عند رغبة البيض ومساعيه لبعث سلطته المدفونة بحربصيف 1994م. قبل تظاهرة عيد الجلاء سافر حسن باعوم للسعودية للعلاج بعد أن كانالتقى في القاهرة علي ناصر محمد، وحيدر العطاس، وشكلا حلفا موحدا ضد البيض الذيقاطع اجتماعات القاهرة وأصر على موقفه المتطرف من قضية الجنوب والسبل المطروحةلحلها في مؤتمر الحوار الوطني القادم. سفر باعوم لم يكن مصادفة وإنما هروب مناستحقاق كبير تنتظره عدن بمظاهرة كبيرة لن يكون هو سيدها بعد أن نجح البيض فيتمويل وتنسيق التظاهرة وجيرها لصالح مشروعه، وكان المتحدث الأول في المظاهرة وحاملصوت الحشود للخارج كما وضع نفسه ووضعه رفاقه في الداخل الذين استطاع استمالتهم إلىصفه. لقد وسع البيض شبكة تحالفاته في الداخل مستندا إلى دعم خارجي محدود،وبالمقابل عين الرئيس هادي الإصلاحي وحيد علي رشيد محافظا لعدن وأيضا أحمد علي باحاجمحافظا لشبوة في إطار مسار المواجهة الأول مع البيض، تحول الإصلاح في عدن إلى جهازأمني يقوم بدور قوات الشرطة يواجه مع قوات الأمن المركزي أي نشاط جماهيري أو عملمسلح للحراك كما حصل في المنصورة منتصف العام الجاري. وتزامنا مع تظاهرة عيدالجلاء التي نظمها الحراك ودعمها البيض كانت مؤسسات السلطة في عدن والمحافظاتالقريبة كلها معنية بدعم تظاهرة جماهيرية للإخوان المسلمين في عدن لإثبات حضور أطرافأخرى في المشهد الذي يدعي الحراك سيطرته عليه ومحاولة حرمان تظاهرة الحراك من ميزةالتفرد بقوة الحشد وهذا هو الذي يريده الرئيس هادي حتى وإن كانت تظاهرة الإخوانتتبع تياراً سياسياً آخر، لكن المقصود هنا المجتمع الدولي ونظرته للحضور فيالميدان، والتأكيد على أن الجنوب ليس ملكا لعلي سالم البيض وقوى الحراك التشطيرية.مسار المواجهة الثاني تمثل في تعيين قيادات ما يسمى بالزمرة في مناصب عسكريةوأمنية ومدنية مهمة وكان لرقعة الجنوب النصيب الأوفر من هذه التعيينات كتعزيز حضورالرئيس وفريقه وتحجيم دور القيادات التاريخية في الجنوب ومنعها من لعب دور فاعلعلى الأرض. المسار الثالث هو دعم تحركات قادة جنوبيين محسوبين على الحراك لتأسيسقوة فاعلة مفرخة من قوى الحراك تتبع الرئيس هادي وأبرزها عودة القيادي الجنوبيمحمد علي أحمد، الذي يتحرك وفق أجندة محددة سلفا وقد حقق نجاحا نسبيا واستطاع أنيصل إلى محافظة حضرموتمسقط رأس على سالم البيض. إلا أن استراتيجية الرئيس هاديوحصر التعيينات التي أحدثها في الجيش ومؤسسات أخرى على الدائرة الأكثر قربا منه قددفع بالحزب الاشتراكي اليمني وأمينه العام ياسين سعيد نعمان إلى رفض هذه الطريقةفي الإدارة واعتبارها إعادة إنتاج لحقبة الصراع في الجنوب خلال ثمانينات القرنالماضي. غادر هادي الجنوب عام 86 وتياره مهزوما في تيار البيض في حرب أهلية وغادرالبيض الجنوب عام 94 مهزوما في حرب أهلية أيضا كان أحد أطرافها خصومه في 86 ، لكنالطرفان يتباريان حاليا في ساحة الجنوب لتحقيق حضور على الأرض، ويتكئ هادي على دعمدولي وأدوات حكم ومال وسلطة مطلقة يقابله البيض بوجود جماهيري فاعل على أرض الجنوبيساند مشروعه التشطيري الساعي إلى العودة لما قبل عام1990 م. قبل أيام دعا الرئيسالقوى الجنوبية في الحراك إلى المشاركة في الحوار من خلال صفحته الشخصية على موقعالتواصل الاجتماعي لكن صداها بدا خافتا جماهيرياً في احتفالات عيد الجلاء ولم يبقأمام الرئيس هادي غير إشهار سيف الصلاحيات المطلقة التي منحته إياها المبادرةالخليجية ودخول الحوار حتى وإن رفضت قوى الحراك وعلي سالم البيض، وقد يكون تلكؤهادي في إصدار قرارات تم الاتفاق عليها لمعالجة قضايا الجنوب مقصودا لدفع بعضالقوى الجنوبية وتحديدا فصيل البيض خارج مؤتمر الحوار لتصيبه لعنة الرفض الدوليللمشاريع التشطيرية في اليمن والعقوبات التي تنتظر معيقي التسوية السياسية فيالبلاد. البيض وهادي يديران الصراع في الجنوب بأدوات مختلفة والأيام كفيلة بترجيحكفة أحدهم على الآخر، غير أن منطق الزمن يقول إن السلطة المطلقة والدعم الخارجي لنتكون الأقوى ما لم تكن في صف القضية العادلة وحقوق الجماهير.