عندما يكون الرئيس "أسداً" فلا بد أن تُصبح السلطة عريناً، والبلاد كلها غابة، والضواري مواطنين لا تنقصهم الرغبة في اختبار قدرة الفتك، فما بالك إذا ما زاد على الأمر وجود قطيع من الإخوان مدججين فوق رغبة الانقضاض على السلطة، وسحق كبرياء ملك الغابة، تدبير دولي يسعى لحذف هذا العرين من التوازن الإقليمي والدولي في الصراع العربي الإسرائيلي. لم تكن مصادفة أن يوضع الشاب بشار الأسد في قلب اختبار دولي ربما كان أقل كلفة، لكنه يضم أوسع حشد من الأعداء التفت أمريكا وإسرائيل وتقاطعت سياسات أوروبا واندمج الإخوان حتى آخر قطرة حياء فيهم مع موارد لا يستهان بها ليشكلاً خليطاً من تصفية الحسابات وتغيير أبعاد الجيورة بولتيك في منطقة شديدة الحساسية تباع بأبخس الأثمان في مرحلة يعتري فيها النظام العربي نوع من نقص الشعور بالمسئولية القومية، وتراخ في التضامن العربي وضياع للبوصلة، وللمروءة وللرجولة، وكأن المنطقة العربية التي تنهمك في استرداد بقايا أنفاسها داخل دوامة عبث دولي قد قررت أن تبيع نفسها مقابل هذه الأنفاس القصيرة بثمن هو سوريا، والقضية الفلسطينية والقرار العربي. يبدو أن الربيع العربي صمم لكل قائد لديه الحد الأدنى والضروري من الالتزام بالمشروع الوطني، سيناريو خاص به للإطاحة. صالح لم يكن لديه الحساسية المذهبية ليجبر على خوض حروب على خلفية مذهبية ولم تتملكه مع ذلك حماسة علمانية كالتي تسيطر على النموذج السوري، لكن الإخوان يصرون أن العلويين وحدهم من يقاتل في سوريا، فهل أنا المتعاطف مع سوريا وأسفك حبري ما يجعلني محارباً معها باعتبارها جبهة أمامية لا يمكن أن أقايضها بابتسامة من سفراء الاتحاد الأوروبي، ولا يمكنني أن أنسى أننا نتحمل مسئولية إهدار مستقبل المنطقة بتخلينا عن سوريا. إن الإطاحة بنظام بشار يعني تغييراً محورياً لطبيعة القضايا الدولية التي يحاول البعض استخدام عنف الإسلاميين للقفز على الحقائق وهذا سِر قوة نظام الأسد، وهو الجواب على سؤال كيف حدث أن الأسد رغم تكالب هذه القوة الدولية لم يُهزم واستطاع التصرف كملك في غابة الضواري، وكان عنيداً وشرساً أمام مخالب الإعلام ومنقار الدبلوماسية الجارح، وحالة الاحتشاد للعفن الدولي الذي لم يزعزع يقينه بأن إرادة شعبه لا يمكن أن ترتعد، ولا يمكن أن تختطفه موجة إعلام عدائي مدبّر، لأن سوريا التي أعدت نفسها منذ عقود طويلة لمعركة المصير التحرري للجولان، وفي ملعب شديد الحساسية لا يترك في حساباته مساحة لتمرد سفير، أو التفاقل عن خروج قائد فرقة، أو حتى إغراء الأسد، أو الشرع للعب دور البديل للأسد كما حدث لدينا في اليمن. إن مهارة الأسد في إدارة الصراع يرتكز على تحشيد ثُقل الإرادة السياسية عند نقطة تشخيص العدو وحلفائه، وتحديد الأهداف الإقليمية والدولية وراء هذا العدوان، وهذا ما جعل شاب حديث العهد في إدارة السلطة يبدو محنكاً، ومتمرساً في التعامل مع الإخوان قياساً بالقذافي ومبارك، لأن مكاشفته قد تجعل استراتيجية تمرير الإخوان بدعم دولي تبدو مكشوفة حداً لم يستطيعوا أن يجعلوا البكاء نيابة عن الشعوب، أو التلويح بالعقوبات تخلق عزيمة في الإرادة السياسية بشار الأسد عنوان استراتيجية تصميم البقاء في قلب المعادلة الدولية ممثلاً لإرادة شعبه وحقوق أمته، ولا يمكن لتيار أياً كان أن يجعل من جشع الوصول إلى السلطة مسبباً في حذف طبيعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن لنشوة السلطة أن تنسينا أننا في قلب هذا الصراع، وأن انحيازنا لسوريا واجب، وجزء من قدر نحن نتباهى أننا محكومين به، حتى عودة الحقوق لأهلها.