"هضوما يستاهلوا ذبح من غير قبلة"، هكذا تكون بعض الردود من المجتمع الليبي عن المثليين الجنسيين. وإذا كانت ليبيا بلاداً إسلامية محافظة، فإن الثقافة والمجتمع تنبذ المثليين، والسلطة لن تستطيع أن توفر لهم حماية تذكر. الدكتور الليبي عصام فاكي، أخصائي في الطب النفسي ببريطانيا، يرى أن المثليين إشكالية لابد من طرحها في مجتمعاتنا للنقاش "علينا أن ننسى ثقافة العيب، فالعالم أصبح قرية واحدة ولم يعد مناسباً أن نخفي مشاكلنا أو نتجاهلها". مثليون ليبيون في تونس في تونس، يعيش حوالي ثلاثين ليبيا مثليا من طلبة جامعيين وحاملي شهادات عليا. يشعرون في تونس بأمان أفضل مقارنة بليبيا ومصر أيضاً. يؤكدون أن لا حياة لهم في ليبيا، حيث يخافون من اختطاف أو حتى إصابة برصاصة "طائشة". المجموعة في تزايد مستمر، "نبحث عن بعض لنكون معا ونحكي عن وضعيتنا وكيف يمكن أن نتعامل مع العالم الخارجي"، يقول وسام، طالب جامعي في التاسعة عشرة من عمره، ويعيش قصة حب قوية مع طالب ليبي آخر، يحكي عنها بخجل كبير، ويضيف مؤكداً: "ليس للأمر علاقة بالجنس أبداً. إنها مشاعر حب تصيبني ولا أتحكم فيها، مثل أي عاشق آخر. لستُ مختلفاً عن الآخرين أبداً". يشعر المثليون الليبيون بأمان أكثر في تونس، ومثليتهم كانت السبب الرئيسي في مغادرتهم ليبيا، ويقول وسام: " اكتشفت أنني مثليّ حين كنت في عمر السادسة عشرة، أحببت شاباً، فغادرت إلى تونس، لأستطيع أن أتعايش مع نفسي كما أنا. ولكن الآن ومع حكم الإسلاميين، أصبحت الحلقة أضيق من قبل ولذلك نعيش في حذر". في ليبيا، مثليون أيضاً كما في كل بقاع الأرض، ولكن المحيط لا يعرف عنهم شيئاً، والأمر يختلف إلى حد ما عنه في دول أخرى بالجوار، ففي المغرب مثلاً هم معروفون ولكن مسكوت عنهم، والأمر تابو كبير لا يجب الخوض فيه علناً.
علاج بدون شفاء يتوافد على عيادة الدكتور فاكي عدد من المثليين الليبيين، بل إن زملاءه الأطباء في داخل ليبيا، أحالوا عليه حالات يتواصل معها هاتفياً أو عبر جلسة علاج عن طريق سكايب. يقول: "بعض الأصدقاء الأطباء في ليبيا بحكم علاقتي بهم، يصادفون في عياداتهم مثليين، اتصلوا بي وربطوني ببعض الحالات هناك. أنا لم أمارس ذلك في ليبيا، ولكني تعاملت معهم عبر الهاتف وسكايب." ويشير الدكتور إلى أن هناك حالتين مختلفين، واحدة منهما يمكن إخضاعها للعلاج. من الناحية العلمية، تشير إحصائيات غربية إلى أن كثيرا من المثليين تعرضوا لاعتداء جنسي وهم أطفال من أحد أفراد العائلة. تلك تجربة إن لم تعالج في حينها، تؤثر على الطفل وتسبب لديه خلطاً، وتجعله في حياته الجنسية يميل إلى مثله. وهذه الحالة يمكن علاجها. "لكن هناك دراسة علمية أخرى تقول إن المثلية الجنسية لها علاقة بالجينات والعناصر الوراثية" يضيف الدكتور فاكي وهذه تعتبر "حالة" ثابتة ولا علاج لها، إلا بمساعدة المثلي أن يقبل نفسه كما هو. ويضيف "في دول غربية كثيرة، مجتمعات قبلت بالمثلي كما هو وتتعايش معه في تسامح وسلام. وتعتبر هولندا قمة التسامح في ذلك، باعتبارها أول دولة أيضاً بادرت بإقرار حق المثليين في الزواج. لكن هذه المجتمعات نفسها كانت قبل عهد ليس ببعيد تنبذ المثلي وتقتله أحياناً. ومجتمعاتنا العربية تنبذ المثلي وتعتبره مريضاً وشاذاً ومنحرفاً ويفسرون حالته تفسيرات ميتافيزيقية."
اكتئاب وانتحار.. يؤكد الدكتور فاكي أن هذا الوضع يسبب حالة اكتئاب حادة لدى المثلي العربي، تدفع به للانتحار أحياناً. وهنا تكمن مهمته كطبيب، في أن يحمي هؤلاء من أنفسهم ومن المجتمع أيضاً. "نحن نبالغ في التعامل مع المشكلة كمسلمين وليس كإسلام. إننا ننظر إلى أن الإنسان يستحق العقاب الذي استحقه قوم لوط، ولكن قوم لوط كانوا كفرة، يغتصبون ويمارسون المثلية في الشوارع وعلى الملأ وهذا لا يجوز حتى في الغرب". وسام، الشاب الهادئ الخجول الواثق من نفسه، المتفوق في دراسته، قبل نفسه كما هو. هو أيضاً تردد على عيادة الطبيب، واقتنع أنه ليس شاذاً ولا منحرفاً ولا مريضاً، ولا مختلفا، "هذا من عند ربي، والحمد لله لكل ما يأتي من ربي".
التربية الروحية التربية الروحية مهمة جدا في العلاج، يقول الدكتور فاكي، "من يأتيني، أركز على اهتماماته، فأوجهه ليمارس نشاطات تناسبه، ينفق فيها وقته وطاقته. تحقيق إنجازات في حياة المثلي تقوي من ثقته في النفس، وهي القاعدة التي يتبعها الغرب وكل الأقليات الواعية لفرض النفس والاحترام والقبول والوجود." يقول فاكي: "نحن ننظر إلى المثليين كأنهم قوم لوط. أن الله يأمر بالعدل" ويختم الطبيب الليبي المقيم في بريطانيا حديثه بآية قرآنية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". * إذاعة هولندا العالمية