الانقسام الاستقطابي- وإن من طرف واحد- في قيادة الجيش قد هزَّ بحد ذاته- أمن واستقرار البلاد وعرَّضها وسيعرِّضها للخطر في أية لحظة، ومثلما كان رافعة أخونة الجيش وتحكم حزب سياسي بقرارات تعيين قادته من ناحية، وعرقلة قرارات أخرى، فقد كان أيضاً العامل الأهم في ضرب معنويات الجيش وجعله في حالة انهيار معنوي طويل المدى، وكان وباستمرا غطاءً لأي طرف ثالث أو رابع يقوم بارتكاب جرائم قتل وإرهاب، مستفيداً من ثغرة هذا الانقسام أو معتقداً أنه سينجو من العقاب، أو أن طرفاً ما من أطراف الانقسام والصراع سيغطي أعماله الإجرامية، وسيوفر له المبررات الكافية للنجاة، ولو باتهام الطرف الآخر بالجريمة، وهذا ما حدث بالضبط في جريمة محاولة اغتيال أبو رأس، وفي كثير من الجرائم السياسية والإرهابية منذ بداية 2011م وحتى محاولة اغتيال القائد الحوثي عضو لجنة الحوار.. وإذا لم تكن هذه القضية هي أهم شرط لإنجاح الحوار، فكيف ببقية الشروط، ومن ضمنها النقاط العشرون التي اتُّخذ فيها قرارٌ من المؤتمر نفسه . وفي السياق نفسه فإن عقد مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء قبل تحرير الدولة وقرارها من سطوة مراكز القوى العسكرية والقبلية الموجودة على الأرض، وقبل تجريد رموز هذه المراكز من أدوات السيطرة على القرار السياسي في كلِّ مكونات السلطة الانتقالية.. سيكون له تأثير مباشر وغير مباشر في الانتقاص من حرية المتحاورين، وفي جعل سقفهم في الحوار منخفضاً وبما يناسب أولويات هذه القوى وقدراتها الهائلة على الضغط (معنوياً ومادياً) على أطراف الحوار وأجندات المؤتمر من خارج فندق موفمبيك ومن خارج المؤتمر نفسه. من هنا يأتي شرط ضرورة إنهاء حالة الانقسام داخل الجيش والأمن والدولة كشرط أساس لإنجاح أعمال المؤتمر، وللحفاظ على ما تبقى من الجيش اليمني قبل أن يتحوَّل بكامله إلى جيش مؤدلج وبيد طرف سياسي بعينه، على خلاف قانون القوات المسلحة، وعلى خلاف الدستور نفسه. إنهاء الانقسام يتم فقط بإقالة قادة الانقسام وكلِّ القيادات العسكرية والأمنية التي تمثل حالة استقطاب داخل الجيش والأمن، وتلك التي عيُّنت بدوافعَ أيديولوجية، أو تم تعيينها مؤخراً من قبل قادة الانقسام أنفسهم. إقالة علي محسن الأحمر وأحمد علي عبدالله صالح وغالب القمش وكلِّ قائد عسكري أو شرطوي تم تعيينه بضغطٍ من هؤلاء هو الذي سينهي حالة الانقسام ويوفر شرطاً صحياً لإنجاح أعمال المؤتمر، وليس الحديث الفضفاض عن الهيكلة المزعومة. المطلوب اليوم هو التوقف نهائياً عمَّا يُسمَّى بهيكلةِ الجيش، سواء من قِبَل أعضاءِ المؤتمر أو من قِبَل غيرهم واستبدالها بطلب إقالة قادة الانقسام بأشخاصهم ومواقعهم، ليس لأن الهيكلة كلمة فضفاضة تم تفسيرها بصورة كيفية وانتقامية وبما حوَّل الانشقاقَ من قِبَل وحدات محدودة داخل صفوف القوات المسلحة إلى حالة انقسام كامل، بل ولأن الهيكلة بمفهومها اليمني والانتقالي لم تكن سوى بابٍ لتسليم الجيش اليمني، وهو أهم رمز للسيادة والوحدة والاستقلال إلى أطراف وخبراء من الاستخبارات الأجنبية والأمريكية تحديداً. والخلاصة، فإن انقسام الجيش من ناحية وتحكُّم مراكز القوى العسكرية والقبلية والأصولية بقرار السلطة ومقدرات الدولة من ناحية أخرى هما العاملان اللذان يجعلان من مؤتمر الحوار بلا معنى ونتائجه غير قابلة للتنفيذ، وهذا ما يجب ملاحظته والمطالبة بضرورة معالجته قبل أية خطوة أخرى داخل المؤتمر، وإلا فإن المسألة ضحك وتضييع وقت.