هامشٌ هوَ الوطُنُ الذي يَحشُرنا في جواربه قِططاً وقملا ويضيق يضيقُ بنا كلما اتسعَ "لكولومبس" وآل النفط والقبائل والمنابر والعساكر. هذه البلاد التي تُسمى مجازاً بلاداً لا تملك هوية واضحة لنشتمها إن أردنا.. سُلطاتٌ بعضها فوق بعض من آخر نقطةٍ في الحدود التي سُلبت إلى شارعٍ ضيقٍ يضيقُ بنا الوطن...! بمشيئة القوة وحدها لا القانون، تفرض هذه الذوات وجودها ومعها نمطُ حياتنا، ربما يبدو الشارع ملجأنا الوحيد حُراً والريح تكنسه، لكنه ليس كذلك، إنه نموذج مصغر لهذهِ البلاد ... قطعة الإسفلت هذه التي تُقاس بعدد النائمين على أرصفتها ومقدار النفايات على جوانبها تُنتهك صباحاً ومساء كأجوائنا تماما. على هذه القطعة السوداء تقوم مصالح وتعتاش أُسر، مركبات الأجرة هذه تعود بالنفع على العمال فيها وتعينهم على الحياة أكثر مما تعود به شركة النفط المنهوبة من إيرادات للحكومة . وكما أن العمل النقابي مُتعذر ومُحارب بشكل عام فنقابة السائقين جزء منه، إن مشواراً واحداً من (سوق الجملة) حتى الموقف الآخر (جامعة تعز ) يُعري ويُلغي تماما الاثني عشر كتابا وملزمه التي أدرسها كطالب حقوق -قانون- . والألواح الاثني عشر الرومانية وجدارية "حمورابي" وتشريعات أثينا.. فعلى السائقِ أن يدفع ضريبة مرور لأكثر من ثمان نقاط غير شرعية تتغير بتغير الطقس بدون أي بند قانوني ولأشخاص يفرضوا مشيئتهم بالقوة...! ، عدواناً عليهِ أن يدفع لهم دون استلام أي سند سوَاء يتبع النقابة أو المجلس المحلي .؟ ولا ينقص هذا السائق إلا أن يتجمهر رجال المرور لإعاقة السير لا لتنظيمه في ساعة تَمترُس الشمس على شعر حواجبهم وفي كبد السماء، ليسرقوا حاجتهم من السائقين وينصرفوا بينما لو مشيت الساعة9،8،7، 6لن تجد رجل مرور واحد في عملهِ. الابتزاز الذي يتعرض له السائق كل يوم وبكل مشوار لم يعد ظاهرة بل أصبح ثقافة اعتاد عليها وأمراً طبيعياً -قبل كل موقف يُدخل يده في جيبه لا لتخرج بيضا إنما مُسودة بأوراق وقطع نقدية يضعها في غابة تلك اليد التي تمتد بشره نحو عينيه ولا يستطيع أن يسأل أين يذهب ذلك القسط من قوة عمله بل يكافح ليوصل الركاب ويعود لمواصلة هذا السيناريو.