* سألته وليتني لم أسأل.. إنه معلِّم في إحدى مدارس التعليم الأساسي. قلت له : كل عام وأنت طيِّب.. وعيد سعيد لكل معلِّمي ومعلِّمات الوطن. أخذ يتحدَّث معي وكأنه حلَّة ضغط تعرَّضت للفتح فاندفع ما بداخلها. * يقول هذا المعلِّم : تصدِّق باللَّه.. رصيدي ستَّة عشر عاماً من التدريس.. وكل الذين أعرفهم من المكرَّمين في يوم المعلِّم هم مجرَّد رجال علاقات عامَّة.. اسأل أنت وستجد بين الذين يتمّ تكريمهم الغائب عن المدرسة.. اسأل وستجد أمثالي كثيرين يؤكدِّون لك أن المحسوبية تقود إلى تكريم الفاشل.. ثم أين هو التقييم الحقيقي الذي يقنع بحضور المعايير وليس - فقط - موقع المعلِّم من شبكة المصالح المتداخلة وأبراج العلاقات الشخصية. * قلت له : ما الذي يزعجك ونحن على بُعد يوم من عيد المعلِّم.. فقال : دعني أتحدَّث معك عن عناصر العملية التعليمية في المدرسة التي أعمل فيها على الأقلّ. هذا اليوم أنا وزميل فقط قمنا بتغطية حصص صفَّين دراسيين كاملين «الثامن والتاسع».. والبقيَّة غياب.. ولا مَنْ يضبط ،وكأن المكتوب على الملتزم أن يكون حمار المدرسة. * ويتابع كلامه دون أن ينسى التأكيد أن المعلِّمات أكثر التزاماً : عندنا سبعة وكلاء للفترة الصباحية فقط.. كل وكيل لا يعرف مهمَّة محدَّدة أو وكيل على ماذا.. وعندما تُوكل لأحدهم مهمَّة توجيهية.. تقييمية.. يغالط مهمَّته ويبلِّغ مدرِّس المادَّة أن معه في الغد حصَّة تقييم ولا بأس من أن يقيِّم خرِّيج الجغرافيا مستوى الطلاب والمعلِّم في حصَّة اللغة الإنجليزية.. الوكيل اللَّه. * ثم ماذا بعد.. وضِّح الصورة؟ أجابني بنفس التدفُّق : داخل كل فصل دراسي ما لا يقلّ عن ثمانين طالباً.. وأغرب ما في فصول رابع وخامس ابتدائي أن تجد طالباً أو أكثر تجاوز عمره العقدين من الزمن.. الأمر الذي يجعله يعمل رئيساً للفصل ومسؤول الغياب ونائب الأستاذ الغائب.. والكشَّاف ومرعب زملائه الأطفال خارج أبسط قواعد التربية السليمة. وماذا عن المنهج؟ أين وصلتم؟ يجيب : ما لم أفهمه هو كل هذا الحذف في المقرَّرات.. هل تصدِّق أنه تمَّ إلغاء وحدات كنَّا قد قطعنا في تدريسها شوطاً كبيراً.. وأن مادَّة التربية الوطنية وحدها شهدت حذف ثلاث وحدات من أربع وحدات.. وكأننا في اليمن نعيش فائضاً في الوعي الوطني.. وباختصار لم يعد عندنا ما نعلِّمه في أكثر من مقرَّر رغم أن الوقت ما يزال مبكِّراً على الامتحانات. * إن اثنين من أبناء هذا المعلِّم في مدرسة خاصَّة.. والسبب - كما يقول - الحاجة لأن يتعلَّم الصغير حروف الهجاء في مكان غير مزدحم.. ولا بأس بعد ذلك من إعادته إلى المدرسة الحكومية. * ولم ينسَ أن يختم حديثه بالقول : تصدِّق باللَّه أن انتقال معلِّم من مدرسة ريفية إلى العاصمة كلَّفه سبعين ألف ريال.. مع أن توقيع مدير مكتب التربية لم يكن فيه أيّ حرف واضح من حروف الهجاء.. يعني فقط «شخبط شخابيط». * كل عام والمعلِّم اليمني أكثر تفاؤلاً ممَّا سمعت.