كل ما يدور في الساحة الآن من تكفير وحرب على كل تنويري ليس سوى حرب تقودها ثقافة الصنمية والأبوية التي تعتمد الجهل أساساً لسلطتها والتلقين جزءاً من أدواتها لإلغاء العقل ومصادرة التفكير، ضد ثقافة التنوير وإعمال العقل للوصول إلى مجتمع إنساني متحضر وقادر على التفكير والبناء بعيداً عن الوصاية والأمراض والعقد المستعصية، المروج لها باسم الدين والقيم. كان عذرهم أن الروايتين اللتين أعطاهما العرامي لطلابه مليئتين بالألفاظ الجنسية، وأنهما تفسدان أخلاق الشباب، ويبدو أن ابن القيم وابن حزم والسيوطي وهم يلقون محاضراتهم على طلابهم، ويكتبون كتبهم عن الحب والجنس كانوا يدمرون أخلاق المجتمع الذي يعيشون فيه!! وربما لا يعلم بعض الناس المحكومون بثقافة القبيلة والجهل الذي ران على عقولهم، معنى تدريس الأدب الحديث، وكيف يدرس الأدب والنقد وأن النقد الأدبي يدرس آليات الكتابة الأدبية، وأن الرواية والقصة تقوم بتسليط الضوء على المعتم المخفي من الحياة، وتنقد ما يحدث في المجتمع وتحكي واقعاً نعيشه كل يوم، وأنها رمزية، في الوقت ذاته، فهي ليست خطبة ولا محاضرة، لغتها حقيقية دعوية. إذ إن للأدب لغته المجازية ونقاده الذين يشرحونه ويحللونه من كافة جوانبه الجمالية والدلالية واللغوية، وأستاذ النقد قد يتناول مع طلابه رواية أو قصة أو قصيدة ليعلمهم آليات النقد، وتكون مادة وأداة لذلك، وقد يختار رواية تسعى إلى هدم ثقافة ما وتفصح عن مسكوت عنه في المجتمع، تسير ضد تيار الموجود لأنها تطمح إلى المنشود، وهذه وظيفة الأدب أصلاً، وقد تكون سيئة رديئة مضموناً وشكلاً، يتطلب من الطلاب أن يكشفوا عن مواطن السوء والقبح مقابل مواضع الجمال فيها، وعرض الأستاذ هذا العمل أو ذاك على طلابه لينقدوه ليس جرماً ولا خطيئة، ربما لا يعلم العامة ذلك، لكن أن لا يعلم الأكاديميون في الجامعة، حدّ أن يكتب أحدهم مبرراً للفصل بتناقض عجيب، متهما زميله بنشر الفحش ومحاربة الدين الإسلامي، فهذه لعمري إحدى المصائب. لكن مقالة الأستاذ أفصحت دون أن يدري أنّ أساتذة الجامعة تخلوا عن دورهم التنويري، خوفاً على أنفسهم من الموت، لأنّ ما أثار هذه الزوبعة كلها هو نقد الرواية للقاعدة وثقافة العنف والموت التي يحملها فكرها، وأن العرامي بتدريسه الرواية، حرك المياه الراكدة، في مجتمع تسيطر عليه (الصراعات القبلية والحروب ودخول القاعدة) كما ذكر الكاتب بالنص. ومؤخراً تتعرض الناشطة سالي أديب لهجمة تخرج من الجامعة –الصرح الأول المعنيّ بالتنوير- وباسم الدين كذلك. إنها ثقافة القبيلة متقنعة باسم الدين ساعية لقلب الكفة وإعاقة كل مشروع تنويري وإعادتنا إلى الخلف ليظل الظلام يغشى العقل العربي وتبقى اليمن تحت وطء هذه الثقافة الرجعية الأبوية الصنمية، وتحتفظ بسلطة أنساقها الأصولية التكفيرية الأحادية الفردية الدكتاتورية. إنّ ما حدث لأحمد العرامي وسالي أديب، يعدّ مؤشراً خطيراً إلى ما قد يسير إليه الوضع من تراجع للخلف في كل الجوانب، وخاصة فيما يتعلق بسيطرة الفكر القبلي الديني المتشدد، الذي يقيد الحريات ويقتل الإبداع ويجذر ثقافة الإقصاء والإلغاء والقتل واللا إنسانية، ويشن حرباً شعواء على كل مشروع تنموي، يخرج البلاد والعباد من الكسل الفكري الذي يعيشونه إلى إعمال العقل والفكر، الذي دعا الله في كتابه في أكثر من موضع إليه، والوصول إلى دولة مدنية يعيش الإنسان فيها بسلام دون صراعات وحروب، تحفظ للناس دماءهم وأموالهم وأعراضهم وحرياتهم.