حين نسترجع ما كتبه "الرائي في الزمن الأعمى" عبدالله البردوني، نقف وقفة المندهش بهامشٍ كان يعيشه ولا يراه.. هذا الأعمى الذي يجعلك ترى ما حولك رغم أنك تملك عينين لا تريان شيئاً. عبدالله البردوني إضافة هائلة للشعر العربي وغير العربي أيضاً.. ف "الشعر العربي مرَّ بثلاث مراحل: جديد وقديم وبردوني".. قد يقول قائل إن هذا الكلام كبيرٌ جداً، وهو معذورٌ في قوله، لأن "الإنسان عدو ما يجهل". حين نبحث عن البردوني في المناهج المدرسية والجامعية هل نجده!! وإن وجدناه هل نجد سوى قصيدة يتيمة هي "أفقنا على فجر يومٍ صبي.. فيا ضحوات المنى أطربي"، هذا إن كانت ما تزال موجودة، وكأن البردوني لم يكتب سواها، أو كأن الأجيال السابقة واللاحقة لن يعرفوا البردوني إلا من خلال هذه القصيدة. أين هو البردوني في وسائل الإعلام!! وأين برنامجه "مجلة الفكر والأدب" الذي كان يُذاعُ أسبوعياً من إذاعة صنعاء، منذ أوائل الستينات وحتى يوم وفاته، إلى أن تجاوز عدد حلقات هذا البرنامج ألفاً وأربع مائة حلقة!! وزارة التريبة والتعليم هل تدرك من هو عبدالله البردوني!! إذ أن هذه الوزارة وضعت في واحد من مناهج اللغة العربية قصيدة لشاعرٍ مغمورٍ لا يعرفه أحد، وفي الهامش تعريف بالشاعر الذي ما يزال ديوانه تحت الطبع!! لكن يبدو أن هذا الشاعر أحد أقارب اللجنة الموقَّرة التي قامت بتأليف الكتاب المدرسي.. أنا لا أتحدث عن البردوني الشاعر فقط، ولا عن تعميم بعضٍ من نصوصه في المناهج المدرسية، فالبردوني مفكر وفيلسوف ومؤرِّخ وناقد، وليس شاعراً فقط، وبإمكان وزرة التربية ووزارة التعليم العالي الالتفات إليه بدلاً من الغثاء الذي تمتلئ به المناهج المدرسية.. هذه المناهج الرديئة التي ستنتج أجيالاً غير قادرة على التعامل مع العصر، لأنها ضحية أساليب الحفظ والتلقين.