ستبدو البلاد جميلةً حقاً فقط حين يعيش شعبها بكرامة وإنسانية، وسيكون القانون مُقدساً حين يكون معبراً عن حاجات الناس ومتفقاً مع واقعهم الاجتماعي، وسيشعر المواطن بالانتماء والوطنية حين تُصبح الدولة مؤسسة لخدمته وجهازاً يخضع تماماً لسُلطة الشعب، وستكون الوحدة مقدسة حين يكون الإنسان هو الغاية جنوباً وشمالاً وحين تكون معبرة عن مصالحه. (الدستور الوطن الثورة الوحدة) كل هذه الرموز تأخذ قداستها من قداسة الإنسان الذي هو خالقها ومن أجلهِ خُلقت. بائع "المعاوز" الذي بلل قطعة القماش تلك بعرقه خيطة خيطة وهو يحيكها هو لا يرى الكون إلا بحجمها، إنها عائلته.. إنها الأشهر التي يغيب بها عن بيته ليوفر لهم بقيمتها الخبز والأقلام والشموع، قطعة الملابس هذه التي قضى أسابيع في حياكتها تصادرها (البلدية) منه بومضة عين لأنهُ يبيعها في الشارع ولأنه يعيق اكتمال المشهد الحضاري للمدينة إن مرت سائحة وشاهدته يفترش الرصيف، وكأنها لا ترى من يبحثون عن بقايا الطعام في حاويات القمامة...! إن بائع الصحف المتجول وصاحب بسطة الخضراوات والكتب والملابس والألعاب وكل الطبقة العاملة، هم من لهم الحق في شارع ضيق كسقف أحلامهم. إن إخلاء الشوارع من "بسطات" الباعة المتجولين سياسة برجوازية لصالح المحلات الكُبرى وإن لبست قبعة النشيد الوطني، ورجل الأمن حين يركل هذا البائع وبضاعته إنما يهين هذا الوطن، رجل الأمن هذا مُهمته أن يرعى مصالح هذا الشعب ومنهم هذه الطبقة المسحوقة من المجتمع، والقانون يغدو باطلا حين يكون الواقع الاجتماعي مغايراً له، وبالتالي يكون من المُحال تطبقيه. فبدون اقتصاد وطني موجه يدعم التعاونيات والمشاريع الصغيرة وإيجاد أسواق مناسبة تملكها وتديرها للباعة المتجولين وأصحاب البسطات ليزاولوا نشاطهم الاقتصادي بها، يُصبح تطبيق القانون عليهم وإخلاء الشوارع منهم جُرماً ويخالف مبادئ العدالة التي هي من مصادر التشريع، ومن منطلقها أُصدرت المواد القانونية. في هذا الوضع الاقتصادي المتردي هل العامل في جدول أعمال الحكومة أم عقود الخصخصة للشركات العابرة للقارات؟ هل هناك بائع جوال في مؤتمر الحوار الوطني وعضو نقابي للمهن الحرة يطرح حقوقهم في هذه الفترة التي أصبح بها الجميع في السُلطة؟ وهل سيقوم الحزب الاشتراكي اليمني بدوره مُعبراً عن مصالح هذه الطبقات ومدافعاً عنها، كما يُفترض أن يكون، وإلا فلْيَكُف عن إزعاج (فتاح) بأنه مازال حزب العامل والفلاح، وليبحر بنظامه الداخلي كأي حزب سياسي يكتفي -بالاقتراع- ويتنحى لتولد أحزاب عمالية عندها الإيمان المُطلق لتناضل في عمقها الطبقي.