في هذا الشهر الكريم تتحول المساجد إلى مطاعم شعبية، ولن تندهش إذا صادفتَ شخصاً يجلسُ في سوحِ المسجد وبين يديه (مقلى سلتة) بانتظار أذان المغرب. وأنّى ركعت أو سجدتَ فلن تخلو صلاتُكَ من السجود على نواة تمرة أو بقايا سحاوق مدلوقة.. متى سنحترم بيوت الله ونتعامل معها كما لو أنها بيوتنا!! ليس من اللائق أن نترك أثراً بعد الإفطار.. وليس من اللائق أن يجتمع الأكلُ والعبادةُ في مكانٍ واحد.. فبضع تمراتٍ وشربة ماء تكفي. رمضان شهر الاتفاق، لكننا نختلف فيه على كلِّ شيء، بدءاً من صلاة التراويح التي يتقاتلُ الناسُ عليها في المساجد.. وكأنها صلاةٌ مزاجيةٌ نظراً لوجود من يؤيدها ووجود من يعارضها.. ربما أنها كذلك لما تحظى به من اختلاف.. المهم في الموضوع من أراد أن يصلي التراويح ألاَّ يشغل الآخرين برفع صوت المايكروفون، وليستمر حتى الصباح في تراويحه. أما في العشر الأواخر فإنها تتحوَّل إلى ما يشبه اللوكندات، فحين تدخل المسجد ترى المعتكفين ممدَّدين جنباً إلى جنبٍ وكأنك تشاهد ضحايا انفجار أو قبراً جماعياً. الاعتكاف شيء جميل.. لكن لا بد أن يكون لكلِّ مسجدٍ مُلحَقٌ ومكتبة ومدرسة تحفيظ قرآن.. كي يبقى المسجد للصلاة فقط، والملحق للأكل والاعتكاف.. بمعنى أوضح، العملية بحاجة إلى ترتيب، لكننا لا نؤمن بالترتيب، ونقضي حياتنا كلها (كَلْفَتَة) كيفما اتَّفَق... تمتلئ المساجد حتى تفيض بمصلِّيها فيمتلئ السَّوْحُ ويفيض حتى ترى المصلين المتأخرين يتمُّون صلاتهم في الشارع.. ليت السنة كلها رمضان، لكي نتهذَّب قليلاً في تعاملنا مع الناس حين نقترب من الله أكثر. في رمضان نشعر بخجلٍ شديدٍ حين نمسك بالمصحف بعد قطيعة عامٍ كاملٍ، ولا نشعر بهذا الخجل حين نتركه في آخر يوم من أيام رمضان !! ما أوقح الإنسان، إلى متى يستمر في مغالطة ذاته !!