مع اقتراب موعد استحقاق تعديل اليمن لعقود أسعار الغاز الطبيعي المسال، طبقاً لاتفاقية تطوير الغاز، التي تنصُّ على أن الحكومة اليمنية يحق لها تغيير السعر كلَّ خمس سنوات طبقاً لأسعار السوق.. استغلت القيادة السياسية موعد استحقاق تعديل الأسعار، وأثارت موضوع الغاز وصورته بالغبن الكبير، وجزمت بأنه لا بد من وضع حد لهذه الحالة وتصحيح الأسعار، مصورةً الأمر بوعد منها لاستعادة ثروة المواطنين المنهوبة، وانشغل الرأي العام المحلي بهذا الموضوع الذي لا يعرف حقيقته إلا قليل من الناس.. وجاءت توجيهات القيادة السياسية بالعمل من أجل تصحيح الأسعار الخاصة بالغاز المسال، كما هو معمول به في الأسواق الدولية، اعتباراً من مطلع العام المقبل2014، وتضمن حديث القيادة السياسية "إن الغبن الكبير الذي عاناه اليمن جراء بيع الغاز بثمن بخس كبَّد اليمن خسائر اقتصادية كبيرة، ولا بد من وضع حد لهذه الحالة والعمل على تصحيح سعر الغاز المسال كما هو الحال في الأسواق الدولية". جاء ذلك عقب لقاء رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة بسفير كوريا الجنوبية في صنعاء يونج هولي، وكشف باسندوة خلال اللقاء عن عدم علمه بخسائر اليمن من اتفاقية بيع الغاز المسال لشركة كوجاز الكورية، وقال إن اليمن خسر أرباحاً محتملة تقدر بمئات الملايين من الدولارات على مدار الأعوام الماضية بسبب تدني السعر الذي تدفعه شركة الغاز الكورية الحكومية كوجاز. دغدغة مشاعر المواطنين واعتبر مراقبون تصريحات القيادة السياسية، دغدغة لمشاعر الناس، خصوصاً وأن أسعار الغاز ستعدل لا محالة بعد أن مرت 5 سنوات من التصدير، وهو استحقاق راعته اتفاقية تطوير الغاز، مشيرين إلى أن عجز الحكومة عن نيل ثقة المانحين، واستعادة التعافي للاقتصاد، دفعها إلى استباق استحقاق موعد تعديل أسعار بيع الغاز المقررة حسب الاتفاقية مطلع العام المقبل، إلى إثارة موضوع تعديل أسعار الغاز المصدر للخارج ليحسب إنجازاً لها، كون الأسعار الحالية تلقى تذمرا شعبياً واسعاً. مفاوضات حكومية واجهتها الشركات بالاتفاقية وقد بذلت القيادة السياسية السابقة عقب تصدير أولى شحنات الغاز بتحركات سياسية ودبلوماسية واسعة للضغط على الشركة التي وقعت عقداً مع اليمن لشراء شحنات الغاز، قبل أربعة أعوام من بدء التصدير، لتحسين الأسعار، حيث تم الشراء بأسعار رخيصة مقارنة بأسعار سوق الغاز التي وصلت بعد الاتفاق إلى ما يقارب 3 أضعاف السعر المتفق عليه بين كوجاز والحكومة اليمنية، لكن قوبلت هذه الجهود بالرفض من قبل الشركات المشترية للغاز، وتمسكت بالاتفاقية. الشركات تكتفي بتقديم معونات اجتماعية وعلى الرغم من تمسُّك الجانب الكوري بالاتفاقية إلا أن رئيس الجمهورية السابق علي عبدالله صالح أصدر توجيهات بإجراء مفاوضات مع الشركات المشترية للغاز ومراجعة العقود المبرمة عام 2005 وتحسين الأسعار، وكلف بهذه المهمة وقتها وكيل وزارة النفط والمعادن عبدالملك علامة، لكن الجانب الكوري تمسك بموقفه، ولم تقف الجهود عند هذا الحد بل واصلت حكومة الوفاق المفاوضات لتحسين أسعار الغاز خصوصاً مع كوجاز الكورية كون الأسعار غير منصفة، وقاد وزير النفط والمعادن أحمد دارس جولة من المفاوضات مع شركة كوجاز الكورية وتوتال الفرنسية والتي تشغل وتملك الحصة الأكبر لمشروع الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، لكن لم يكن موقف الشركة مختلفاً عن موقف شركة كوغاز الكورية التي اكتفت بإعلانها أنها ستقدم معونات اجتماعية لليمن. إعداد استراتيجية لتعديل أسعار الغاز ومع فشل كلِّ هذه الجهود للحكومات المتعاقبة، لم تجد الحكومة من خيار سوى إعداد استراتيجية لتعديل أسعار البيع، وبموجب ما نصت عليه اتفاقية تطوير الغاز، إضافة إلى التفاوض حول تعديل أسعار بيع الغاز لكل العقود ابتداء من العام 2014 طبقاً لأسعار السوق. الغاز يتطلب إيجاد مشترين قبل التصدير وبحسب تعاملات أسواق الطاقة يختلف سوق الغاز عن سوق النفط الذي تتمكن أية دولة بيع منتوجها في الأسواق، حيث أن أولى خطوات استخراج الغاز هو البحث عن مشترٍ، وهو ما قامت به الحكومة، وكانت الشركة الكورية هي أفضل من قدم عرضاً، عند طرح الغاز للمنافسة أمام الشركة العالمية. الاتفاقية راعت تعديل الأسعار كل 5 سنوات وبحسب اتفاقية تطوير الغاز لم تنص الاتفاقية على ثبات أسعار بيع الغاز اليمني للسوق الكورية لمدة 20 عاماً، بل تضمنت تعديل أسعار بيع الغاز لكل العقود كل خمس سنوات طبقاً لأسعار السوق. استخدم اتفاقية الغاز ورقة سياسية وقد لقيت اتفاقية بيع الغاز المسال جدلاً كبيراً في الأوساط الرسمية والسياسية والشعبية، واتخذتها بعض القوى السياسية ورقة لإشعال مشاعر الناس، كما تمت إثارة هذه القضية من قبل برلمانيين وقانونيين ورجال أعمال وصحفيين، خصوصاً وأن أسعار السوق ما بين توقيع الاتفاقية وحتى بداية التصدير ارتفعت بمعدلات كبيرة، ما أثار تذمراً شعبياً في أوساط الناس، كون اليمن بأمس الحاجة إلى فارق السعير الذي يذهب لشركات أجنبية. إحراق الغاز بلا فائدة بدأ اكتشاف الغاز في اليمن مواكباً لاستكشاف النفط الخام عام 1984م بالقطاع 18 مأرب كغاز مُصاحب للنفط، بعد ذلك تم تحقيق العديد من الاكتشافات في عدد من المناطق والقطاعات ليبلغ إجمالي احتياطيات اليمن من الغاز الطبيعي حوالي 18.2 تريليون قدم مُكعب. وخلال تلك السنوات تم استغلال جزئية بسيطة في الغاز وهو الغاز البترولي المسال المنزلي، دون الاستفادة من الغاز الطبيعي محلياً أو تصديره، ولا توجد إمكانية إعادة حقن كميات الغاز المصاحب للنفط إلى باطن الأرض، فكانت تحرق كميات كبيرة من الغاز يومياً بلا فائدة. رحلة البحث عن مستثمر سعت الحكومة حينها للبحث عن شركات لتصدير كميات الغاز للخارج، كونها لا تمتلك إمكانية إقامة مشروع لتسييل الغاز وتصديره نتيجة التكلفة الباهظة، واستمر التفاوض والبحث عن أسواق عالمية لتصديره حوالي 10 سنوات، نتيجة أن استثمار الغاز يتطلب إيجاد مشترين قبل بداية التصدير من خلال عقود طويلة الأمد، فتم التوقيع عام 2005م على اتفاقيات بيع الغاز اليمني إلى مُختلف الأسواق العالمية، وتم تأسيس الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال والتي تتألف من سبعة شركاء مُساهمين، هم شركة توتال يمن للغاز الطبيعي المسال المحدودة، بنسبة 39.62% والشركة اليمنية للغاز بنسبة 16.73% و شركة هنت اليمنية للغاز الطبيعي المسال بنسبة 17.22% ومؤسسة إس كي بنسبة 9.55% والمؤسسة الكورية للغاز (كوجاز) 6.00% ومؤسسة هيونداي بنسبة 5.88%، والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والمعاشات بنسبة 5.00%، وبلغت تكلفة المشروع حوالي 4 مليارات ونصف المليار دولار منها مليار ريال تعويضات للمواطنين، وتبلغ كميات الغاز المخصصة للمشروع 9.15 تريليون قدم مُكعب من احتياطي الغاز الطبيعي في حقول قطاع 18 في مأرب، وتم تخصيص واحد تريليون قدم مُكعب من الغاز للسوق المحلية، وتم عام 2009م تصدير أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال اليمني إلى الأسواق العالمية. الإيرادات المالية للمشروع وتمثل عائدات الدولة من مشروع الغاز المسال 25% حالياً وستتضاعف بعد تعديل الأسعار لتصل إلى 70% خلال الأعوام المقبلة، تتكون الإيرادات المالية للمشروع الغاز من مصدرين مباشرة من الضرائب التي تدفعها الشركة للحكومة، وبشكل غير مباشر من اتفاقية تقاسم الأرباح الخاصة بشراكة بعض الجهات المملوكة للدولة، ويرفد خزينة الدولة بنصف مليار دولار سنوياً ويشغل آلافاً من العمالة المحلية، ومن المتوقع أن ترتفع إيراداته السنوية إلى 700 مليون دولار في السنوات المقبلة، ولن يصل صافي الإيرادات الحكومية من مبيعات الغاز إلى كامل مستواها إلا بعد 6 إلى 7 سنوات، بعد أن تسترجع الشركات لتكاليفها في تعويض الاستثمار الأولي، وبعد 15 عاماً سيتم تسليم المشروع بالكامل للحكومة. الشركات المتعاقدة لشراء الغاز وينتج اليمن 6.7 مليون طن متري في السنة من الغاز الطبيعي المسال، ويرتبط تصدير الكميات المنتجة للشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال بواقع 30% إلى السوق الكورية الجنوبية، و70% إلى السوق الأمريكية ضمن ثلاثة عقود طويلة المدى ولفترة 20 عاماً مع شركة توتال للغاز والطاقة، وشركة جي دي إف سويز لسوق أمريكا الشمالية وشركة، كوجاز للسوق الكورية. اليمن على خارطة العالم للغاز وضع مشروع الغاز المسال اليمن على خارطة العالم للغاز رسمياً منذ تدشين تصدير أول شحنة غاز للسوق العالمية في 7 من نوفمبر 2009، ويعد مشروع الغاز الطبيعي المسال أبرز مشروع اقتصادي على مستوى اليمن، وثاني أكبر مشروع للغاز المسال في الوطن العربي.