محافظ البنك يأسف لأعمال التخريب ضد بعض البنوك ويؤكد استمرار الإجراءات الحازمة    صراع على التحقيق في شحنة معدات الطائرات المسيّرة في المنطقة الحرة.. من يدير المشهد الأمني في عدن..؟!    إبليس العليمي يشعل الفتنة بين الحضارم.. انفجار سياسي قادم    مشروع "المستشفى التعليمي لكلية طب عدن".. بين طموح الإنجاز ومحاولات الإفشال    انتقالي الضالع ينظم محاضرات توعوية لطلاب المخيم الصيفي بالمحافظة    فريق من مجلس المستشارين يطّلع على عمل مركز الطوارئ التوليدية وعدد من المراكز الصحية بأبين    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    تقرير خاص : عودة الرئيس الزُبيدي إلى عدن تُحرّك المياه الراكدة: حراك سياسي واقتصادي لافت    الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية تدعو لتشديد الرقابة على الأسواق    الاتحاد الآسيوي يعلن موعد سحب قرعة التصفيات التأهيلية لكأس آسيا الناشئين    التعليم العالي تعلن بدء تحويل مستحقات الطلاب المبتعثين في الخارج    في آخر أعماله القذرة.. معين عبدالملك يطلب من الهند حصر بيع القمح لهائل سعيد    همج العساكر يعربدون.. هل بقي شيء من عدن لم يُمسّ، لم يُسرق، لم يُدنس؟    حركة أمل: الحكومة اللبنانية تخالف بيانها الوزاري وجلسة الغد فرصة للتصحيح    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    وفاة امرأة وإصابة طفلة بصاعقة رعدية في الجميمة بحجة    خطوة في طريق التعافي الاقتصادي    ضمت 85 مشاركة.. دائرة المرأة في الإصلاح تختتم دورة "التفكير الاستراتيجي"    خبير في الطقس يتوقع موجة أمطار جديدة تشمل اغلب المحافظات اليمنية    رايتس رادار تدين حملات الاختطافات الحوثية في إب وتطالب بالإفراج عن المختطفين    أما الدولة وسلطتها.. أو هائل سعيد وبلاطجته هم الدولة    مافيا "هائل سعيد".. ليسوا تجار بل هم لوبي سياسي قذر    قتلة وجلادي أمن مأرب يزهقون حياة طفل يتيم عمره 13 عاما    المواجهة مع هائل سعيد.. آخر معارك الوحدة اليمنية اللعينة    غزة: 20 شهيداً إثر انقلاب شاحنة محملة بالغذاء تعرضت لقصف صهيوني    ذا كرديل تكشف عن الحرب الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على اليمن    تخرج 374 مستفيدًا ومستفيدة من مشروع التمكين الاقتصادي بمحافظتي تعز ولحج    رئيس هيئة مستشفى ذمار يعلن تجهيز 11 غرفة عمليات وعناية مركزة    خبير نفطي يكشف معلومات جديدة عن ظهور الغاز في بني حشيش ويحذر    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    زيدان يقترب من العودة للتدريب    اجتماع طارئ وقرارات مهمة لاتحاد السلة    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج نكاتا مضحكة؟    اعتراف صهيوني: اليمن بدّد هيبة أمريكا في البحر    طيران اليمنية لا تعترف بالريال اليمني كعملة رسمية    رسميّا.. حرمان الهلال من سوبر 2026    كأس آسيا.. الأردن تكسب الهند والعراق يخسر أمام نيوزيلندا    لاعب برشلونة يوافق على تجديد عقده    سفير إسرائيلي سابق يطالب ماكرون بفرض عقوبات فورية على إسرائيل وعزلها جغرافيًا    من ضمّني لن أتركه وحده.. وكلمة السامعي بلاغ رسمي قبل السقوط!    أسبانيا تُفكك شبكة تهريب مهاجرين يمنيين إلى بريطانيا وكندا باستخدام جوازات مزوّرة    انتشال جثث 86 مهاجرًا وإنقاذ 42 في حادثة غرق قبالة سواحل أبين    لا تليق بها الفاصلة    ستبقى "سلطان" الحقيقة وفارسها..    أياكس الهولندي يتعاقد مع المغربي عبدالله وزان حتى 2028    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأضحية عند المسلمين.. تعرف على أحكامها الفقهية ومقاصدها الشرعية
نشر في يمن فويس يوم 28 - 06 - 2023

الأضحية اسم لما يذبح من الأنعام يوم النحر وأيام التشريق بنية التقرب إلى الله تبارك وتعالى، وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها لقوله تعالى: ﴿فصل لربك ‌وانحر﴾ [الكوثر: 2]، ولما أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر" والأضحية تذبح عن المضحي ومن يلزمه الإنفاق عليهم مهما بلغ عددهم، والشاة تجزئ عن واحد، والبقرة والبدنة عن سبعة.
حكمها ذهب الحنفية والليث بن سعد، والأوزاعي وربيعة الرأي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، إلى أن الأضحية واجبة على المقيم الموسر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل عام، فحملوا فعله على الوجوب، وقالوا: إن الأمر للوجوب كما في سورة الكوثر، والراجح رأي الجمهور أن الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها لجملة من الأحاديث الظاهرة في عدم وجوبها كحديث أم سلمة رضي الله عنها: "إذا دخلت العشر الأول وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا" أخرجه مسلم. فقوله صلى الله عليه وسلم وأراد تنفي الوجوب.
القصد الأعظم من الأضحية هو إحياء سنة أبينا إبراهيم عليه السلام في امتثاله لأمر الله وعزمه على تنفيذ الرؤيا بذبح ولده
فضلها وثوابها ورد في فضل الأضحية وثوابها أحاديث كثيرة أغلبها بين ضعيف وموضوع، ولعل أصح هذه الأحاديث ما أخرجه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا".
حكمتها القصد الأعظم من الأضحية هو إحياء سنة أبينا إبراهيم عليه السلام في امتثاله لأمر الله وعزمه على تنفيذ الرؤيا بذبح ولده قال تعالى: ﴿وفديناه ‌بذبح ‌عظيم ﴾ [الصافات: 107] والمسلمون حين يضحون يتمثلون معاني الفداء والتضحية لهذا الدين، والاستسلام والانقياد لأمر الله، عقلوا الحكمة منه أو لم يعقلوها، قال الحكيم الترمذي: "وأما علة الأضحية فإنه لما جنى العبد على نفسه وأذنب فكأنه أحل القتل بنفسه، فأمر بالفداء كما أمر الله تعالى خليله عليه الصلاة السلام بذبح ابنه ثم فداه بكبش ونجاه من القتل، وهذه ملة خليل الله إبراهيم منّ بها علينا، فلما أذنب العبد استوجب النار، وهو القتل الأعظم فأمر بفداء نفسه" إثبات العلل للحكيم الترمذي ص 208. ومن حكم الأضحية: الربط والاتصال بين الحاج الذي يذبح الهدي في الحرم، وغير الحاج الذي يذبح الأضحية في الحل، فيتشاركان في القصد والمعنى والثواب والأجر، ومن حكمها: شكر الله على نعمة المال، ومن حكمها: التوسعة على الفقراء والأقارب والجيران.
حدد الشرع سنا للأضحية حسب نوعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم
شروطها وهل تصح من غير الأنعام؟ للأضحية شروط لابد من توفرها حتى تقع صحيحة وفق مراد الله تعالى، وهي:
أولا: أن تكون من بهيمة الأنعام؛ لقوله تعالى: ﴿ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة ‌الأنعام﴾ [الحج: 34]، والأنعام هي: الإبل والبقر والغنم، والمعز نوع من الغنم، والجاموس نوع من البقر، ويشمل ذلك الذكر والأنثى، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم التضحية بغير الأنعام على كثرة ما ضحى، وإنما اختصت الأضحية بالأنعام لاشتراكها مع الزكاة في كونهما قربة. أما ما نقل عن ابن حزم من جواز الأضحية بسائر الطيور كالديك والدجاجة فقول باطل لا يصح العمل به؛ لأنه استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة" رواه البخاري، إذ يلزم منه جواز الأضحية بالبيضة الواردة في الحديث بعد الدجاجة ولم يقل به أحد حتى ابن حزم نفسه، ولا يتصور أن تتحقق مقاصد الأضحية ومعانيها بالقول بإجزاء ذبح الطيور والدجاج!! وعلينا أن نعظم شعائر الله كما أمرنا، قال تعالى: ﴿ذلك ومن ‌يعظم ‌شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ [الحج: 32]
ثانيا: القدرة: بأن يكون صاحبها قادرا على ثمنها، بأن يكون مالكا لنصاب الزكاة فاضلا عن حوائجه الأصلية. ثالثا: أن تكون خالية من العيوب القادحة في وفرة اللحم وجودته أو المنفرة من أكلها، كالعوراء والعرجاء والمريضة، وعلى المضحي أن يحرص على انتقاء أضحيته من أطيب وأجود الأنعام، وأن يقصد المزارع التي لا تسمن الأنعام بالأدوية والهرمونات التي تضر بالإنسان والحيوان، وأن يحب للفقير ما يحب لنفسه؛ فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، والله تعالى يقول: ﴿لن تنالوا ‌البر ‌حتى تنفقوا مما تحبون﴾ [آل عمران: 92]، ﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من ‌طيبات ‌ما ‌كسبتم﴾ [البقرة: 267] رابعا: أن يقع الذبح في الوقت المحدد شرعا، وأول وقتها بعد صلاة العيد يوم النحر العاشر من ذي الحجة، وينتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، فوقت الذبح ممتد إلى 4 أيام: يوم النحر وهو أول أيام العيد، و3 أيام للتشريق بعده. جوّز الحنفية ذبح ذبيحة واحدة عن الأضحية والعقيقة؛ لاشتراكهما في كونهما قربة لله تعالى، والراجح هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية ومن وافقهم من عدم جواز الجمع بين الأضحية والعقيقة، حيث قالوا: لابد من ذبح مستقل عن كل منهما
حكم الأضحية بالخراف والعجول المسمنة إذا كانت أقل من السن المحددة شرعا حدد الشرع سنا للأضحية حسب نوعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم، وقال أبو بردة بن نيار: عندي جذعة أحب إلى من شاتين، فهل تجزئ عني؟ قال: ((نعم، ولا تجزئ عن أحد بعدك)) متفق عليه. هذان النصان أصل في تحديد السن المجزئة في الأضحية، وهو على الراجح من أقوال الفقهاء: 5 سنوات للإبل، وسنتان للبقر ويلحق بهما الجاموس، وسنة للمعز، و6 أشهر للضأن.
وفي عصرنا تطورت طرائق تسمين الحيوان خاصة الخراف والعجول، فصار الحيوان يحمل من اللحم ما يحمله الذي بلغ السن وزيادة، وهو دون السن المحددة شرعا، وقد ناقشت هذه المسألة بالتفصيل في مقال سابق بعنوان: سن الأضحية بين التعبد والتقصيد، ورجحت جواز الأضحية بالأنعام المسمنة تحت السن الشرعية للأضحية وهو رجحه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في قراره، وفيه أن: "الأصل مراعاة اشتراط السن في الظروف العادية، ما لم يتحقق النمو المطلوب قبل السن خصوصا الضأن الذي ينمو بسرعة في أوروبا، وكذلك عجول التسمين التي تنمو في عدة شهور، سواء أكان ذلك بنمو طبيعي أم باستخدام طرق التسمين، فإن الأضحية بها جائزة تحقيقا للمقصود الشرعي من اشتراط السن، وقد أفتى بهذا بعض مشاهير المالكية".
اجتماع الأضحية والعقيقة جوّز الحنفية ذبح ذبيحة واحدة عن الأضحية والعقيقة؛ لاشتراكهما في كونهما قربة لله تعالى، والراجح هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية ومن وافقهم من عدم جواز الجمع بين الأضحية والعقيقة، حيث قالوا: لابد من ذبح مستقل عن كل منهما؛ لاختلاف سببهما والقصد منهما، فالأضحية شرعت في عيد الأضحى إحياء لسنة أبينا إبراهيم، والعقيقة شرعت عن المولود شكرا للنعمة وإظهارا لشرف النسب، فلا يصح الجمع والتشريك بينهما.
من كانت له سعة ويقدر على الامتناع من الأخذ من شعره وظفره حتى يذبح أضحيته فليفعل ذلك، استحبابا وندبا لا إيجابا وحتما.
الأخذ من شعر وظفر المضحي في العاشر من ذي الحجة مع بداية شهر ذي الحجة من كل عام، ينتشر في مواقع التواصل الاجتماعي تنبيه مفاده أنه بدخول ذي الحجة يحرم قص الشعر والأظافر لمن لديه نية الأضحية. ومن الأخطاء الشائعة في هذه المسألة، اعتقاد أن المخاطب بها المضحي وأهل بيته، رغم كون المخاطب بها المضحي فقط دون أهل بيته، فلا يشملهم النهي الوارد في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ذبح يذبحه فإذا أهلّ هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي" رواه مسلم.
والرأي الذي أرجحه وأفتي به وأراه مناسبا لعصرنا وزماننا، ومراعيا لظروف الناس وطبيعة أعمالهم خاصة في أوروبا، هو رأى الحنفية الذي يبيح قص الشعر والأظافر للمضحي دون كراهة، وذلك لأن السيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت على أم سلمة هذا الحديث مبينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق من أحرموا بالحج، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة، قالت: ولقد فتلت قلائد هدى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمتنع من شيء كان مباحا أي لا من الطيب ولا من النساء، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره. والقول بحرمة القص للشعر والظفر على المضحى يخالف القياس والمعقول، لأن المحرم بالحج يمتنع فترة يسيرة من الوقت أقل من المضحي في غالب الأحوال، كما أن التشبه بالمحرم يقتضي امتناعه عن الطيب والنساء أيضا، وهو مالم يقل به أحد حتى أم سلمة نفسها.
ومن كانت له سعة ويقدر على الامتناع من الأخذ من شعره وظفره حتى يذبح أضحيته فليفعل ذلك، استحبابا وندبا لا إيجابا وحتما. وهو ما يفهم من رأى المالكية والشافعية الذين قالوا بالكراهة التنزيهية، ومعلوم أن الكراهة تزول لأدني حاجة.
الشروط الشرعية لذبح الأضحية الشروط الشرعية لذبح الأضحية مسلمو أوروبا والتوكيل في ذبح الأضاحي داخل وخارج القارة من الشعائر الظاهرة التي ترسخ هوية المسلمين في الغرب شعيرة الأضحية، واستمساك المسلمين بها وحرصهم عليها في الغرب مما يعمق هويتهم وانتماءهم لدينهم وأمتهم، كما تعكس شعيرة الأضحية وذبحها حيث يقيم المسلم هناك قيمة المواطنة والموازنة المنضبطة بين الانتماء للدين وللمجتمع الذي يعيش فيه، ومن الظواهر الآخذة في الانتشار بصورة كبيرة بين مسلمي أوروبا، التوسع في التوكيل بذبح الأضحية خارج القارة إما في بلدانهم الأصلية بواسطة أقاربهم، أو في البلدان الأكثر فقرا وحاجة بواسطة المؤسسات الإغاثية، ويرجع ذلك إلى جملة من الأسباب أهمها:
قلة الفقراء والمحتاجين في أوروبا، مقارنة بخارجها، والاعتقاد بأن المقصد الأعظم من الأضحية هو مساعدة الفقراء. التفريق في النظر إلى تخدير ذبيحة الأضحية والذبائح على مدار العام، وهذا خطأ لأنه إذا صح أكل الحيوان المسبوق ذبحه بالتخدير في غير الأضحية صح ذبحه وجاز أكله بالتخدير في الأضحية. والأصل أن تذبح الذبيحة دون تخدير أو صعق إذا سمح بذلك القانون في بلد المضحي، أما إذا لم يسمح القانون بالذبح دون تخدير فيجب الالتزام بالقانون، والذبح صحيح ما لم تمت الذبيحة من التخدير. عدم توفر الوقت للذبح إذا وافق يوم العيد يوم عمل، وميل أغلب الناس للذبح يوم العيد، رغم صحته حتى رابع أيام العيد.
ومع استمرار الكوارث واتساع رقعة الفقر وكثرة المعوزين في العالم العربي والإسلامي لا يكاد ينتهي سبب التوكيل خارج أوروبا في الأضحية؛ لهذا أدعو المسلمين، والأئمة والمراكز الإسلامية في أوروبا، إلى الذبح حيث يقيمون مع رعاية الشروط الصحية والقانونية في الذبح قدر الإمكان، وحث الناس على التصدق بالمال في بلادهم والبلدان الفقيرة أو الجمع بين الأضحية في أوروبا والبلد الأصلي أو الأشد حاجة، وذلك لما يلي:
الأصل في الأضحية أن يذبحها المضحى بنفسه وألا يوكل غيره بذبحها إلا استثناء، وما يحدث في أوروبا الآن هو تحول الاستثناء إلى أصل، وقاعدة التوسع في التوكيل بذبح الأضاحي خارج البلاد يترتب عليه اختفاء الشعيرة فى الجماعة المسلمة، ونشوء أجيال لا تعرف هذه الشعيرة ولا تحرص عليها، بل تتأفف من الذبح وتنفر من الدم، وهو مآل واقع لا متوقع. والقصد الأعظم من الأضحية هو إحياء الشعيرة والاقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام وليس التصدق على الفقراء، ولعل أرجح الأقوال في المسألة رأى الحنفية والمالكية الذين ذهبوا إلى أن التصدق من الأضحية مستحب وليس بواجب الاستمرار في التوكيل بالأضحية، خارج أوروبا يفوت مقاصد الأضحية وشعيرتها الكلية والجزئية. التوكيل في الأضحية خارج بلد المضحي يفوت مقصد التواصل مع الجيران من المسلمين وغير المسلمين وإعطائهم من الأضحية وإظهار قيم التسامح والتعاون والبر والصلة، ومحو الصور السلبية والأحكام المسبقة عن المسلمين. وفي التوكيل بالذبح خارج أوروبا إخلال بمبدأ التوطين والمواطنة، وتثبيت العيش والتفكير خارج الوطن وإن أقيم فيه بالجسد.
وظني أنه بوسع أغلب المسلمين في أوروبا أن يجمعوا بين الأضحية والصدقة، وكل ما ذكرت لا ينفي صحة التوكيل في ذبح الأضحية خارج أوروبا بشرط ألا يؤدي تكراره كل عام إلى ذهاب الشعيرة وانعدام المضحين في هذه القارة رغم يسارهم.
يجوز بل يحسن إعطاء غير المسلم من الأضحية ما لم يكن محاربا معاديا للمسلمين، خاصة إذا كان جارا للمضحي أو فقيرا محتاجا، والمسلمون في الغرب أحق الناس بهذا العطاء وهذا البر مع غير المسلمين الذين يبدؤون عادة بالإحسان إليهم
كيفية توزيعها وحكم الادخار في ظل الأوضاع الاقتصادية أوسط الأقوال وأعدلها في تقسيم الأضحية وتوزيعها أن يقسمها أثلاثا: ثلث للفقراء، وثلث للأقارب والجيران، وثلث لنفسه، والتصدق بأكثرها أو كلها أكمل وأفضل، فإن الأكل منها مستحب لا واجب، وقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ادخار اللحوم في سنة من السنوات من أجل وفود من الفقراء أو اللاجئين باللغة المعاصرة ففي الحديث: ((إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم. فكلوا، وتصدقوا، وادخروا)) رواه مسلم. وقال العلماء: فإذا عاد سبب النهي، عاد النهي عن الادخار. وهو ما ينطبق على كثير من البلدان اليوم مع زيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار اللحوم والتي ربما لا يجدها الفقير إلا أيام العيد، وهو ما يجعلنا نرجح عدم تخزين أو ادخار شيء من لحوم الأضاحي هذا العام أو الاقتصار على أقل القليل وتوزيع أكثرها على الفقراء والمحتاجين.
إعطاء غير المسلم منها ويجوز بل يحسن إعطاء غير المسلم منها ما لم يكن محاربا معاديا للمسلمين، خاصة إذا كان جارا للمضحي أو فقيرا محتاجا، والمسلمون في الغرب أحق الناس بهذا العطاء وهذا البر مع غير المسلمين الذين يبدؤون عادة بالإحسان إليهم؛ لعموم قوله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ (الممتحنة – 8). وإهداؤه من لحم الأضحية داخل في البر، وعن مجاهد: "أن عبد الله بن عمرو ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ (فإني) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) رواه الترمذي.
د.خالد حنفي
أستاذ جامعى متخصص في أصول الفقه، عميد الكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية، ورئيس لجنة الفتوى بألمانيا
*الجزيرة نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.