استشهاد طفلة وإصابة مدنيين برصاص وألغام مليشيا الحوثي في الحديدة وتعز    البنك المركزي في صنعاء يمنع تحويل أموال الاستيراد إلى مناطق الطرف الآخر    البنك المركزي في صنعاء يمنع تحويل أموال الاستيراد إلى مناطق الطرف الآخر    المنتخب الوطني تحت 23 عاماً يختتم معسكره الداخلي ويتوجه صوب دبي لإقامة معسكر خارجي    قوات خفر السواحل توقف حركة القوارب والعبّارات في سواحل حضرموت    إصلاح أبين ينعى القيادي محمد الجدي ويثمن جهوده وأدواره الوطنية    صنعاء تصنع أكثر من 57 ألف أسطوانة غاز وتستعد لتوزيعها مجانا للمواطنين    التشي يعود بتعادل ثمين امام ريال بيتيس في الليغا    زيلينسكي يعلن استعداده للقاء بوتين    - مليون دولار كلفة افتتاح أضخم مشروع مياه يخدم 200 ألف شخص في سيئون، حضرموت    ألوية" صلاح الدين" تقصف تحشدات لجنود وآليات العدو جنوبي قطاع غزة    صنعاء تعطي تحذر لشركات اليمنية القطاع الخاصة اقرأ السبب !    إقالة مدرب سانتوس بعد الهزيمة "الثقيلة" وبكاء نيمار    حماس تسلّم ردها على المقترح الأحدث لوقف الحرب بغزة    في بطولة بيسان الكروية.. وحدة التربة يعبر ميناء المخأ    لجنة الإيرادات تجتمع برئاسة الرئيس عيدروس الزبيدي    منظمة العفو الدولية تتهم إسرائيل باتباع سياسة تجويع متعمدة في غزة    قائد الثورة يوجه باعفاء الجمارك والمخلفات المرورية للسيارات التي محجوزة    مواجهة نارية بين النصر والاتحاد.. السوبر السعودي ينطلق في هونغ كونغ    قرار حكومي بتوحيد وتخفيض الرسوم الجامعية والدراسات العليا في الجامعات الحكومية    الإعلام الجنوبي مدعوا للوقوف والتضامن من قبيلة آل البان في وجه طغيان رشاد هائل سعيد    لجنة تابعة لهيئة الأدوية أجبرت الصيدليات على رفع أسعار بعض الأدوية    تدفق السيول على معظم مناطق وادي حضرموت وتحذيرات للمواطنين    ليفربول يحدد سعر بيع كوناتي لريال مدريد    وزير الصحة يناقش الجوانب المتصلة بتوطين الصناعات الدوائية    باكستان تستأنف عمليات الإنقاذ في المناطق المتضررة من السيول    أمطار غزيرة تعطل حركة المرور وتغرق الطرق في مومباي بالهند    بتمويل إماراتي.. محافظ شبوة يفتتح قسم فحص الأنسجة في مختبرات الصحة    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في الحيمة    تعز .. مسلح يغلق مقر صندوق النظافة والتحسين بعد تهديد الموظفين وإطلاق النار    الثالثة تواليا.. الأستراليون أبطال سلة آسيا    أرسنال يسقط يونايتد في قمة أولد ترافورد    رشاوي "هائل سعيد" لإعلاميي عدن أكثر من الضرائب التي يدفعها للسلطة    اصلاحات فجائية لن تصمد الا إذا؟!    لماذا تم اعتقال مانع سليمان في مطار عدن؟    في حفل تخريج دفعة "مولد الهادي الأمين" الذي نظمته وزارة الداخلية..    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (9)    اغتيال كلية الشريعة والقانون    فيما العيدروس يطلّع على سير أداء عدد من اللجان الدائمة بالمجلس: رئاسة مجلس الشورى تناقش التحضيرات لفعالية المولد النبوي للعام 1447ه    فيما تبنت الحكومة الخطة الأمريكية والإسرائيلية لنزع سلاح المقاومة.. لبنان على مفترق طرق    شرطة تعز تعتقل مهمشاً بخرافة امتلاكه "زيران"    كمال الزهري .. عين الوطن    التشكيلية أمة الجليل الغرباني ل« 26 سبتمبر »: مزجت ألم اليمن وفلسطين في لوحاتي لتكون صوتاً للجميع    متى وأيّ راعية ستمطر…؟ ها هي الآن تمطر على صنعاء مطر والجبال تشربه..    إب .. استعدادات وتحضيرات وأنشطة مختلفة احتفاءً بالمولد النبوي    نفحات روحانية بمناسبة المولد النبوي الشريف    اجتماع موسع لقيادة المنطقة العسكرية السادسة ومحافظي صعدة والجوف وعمران    دمج الرشاقة والمرونة في التخطيط الاستراتيجي    خواطر ومحطات حول الوحدة اليمنية (الحلقة رقم 51)    مرض الفشل الكلوي (17)    المؤتمر الشعبي العام.. كيان وطني لا يُختزل    وزير الثقافة يزور دار المخطوطات ومركز الحرف اليدوية بمدينة صنعاء    خرافة "الجوال لا يجذب الصواعق؟ ..    الصحة العالمية: اليمن يسجل عشرات الآلاف من الإصابات بالكوليرا وسط انهيار البنية الصحية    أكاذيب المطوّع والقائد الثوري    من يومياتي في أمريكا .. أيام عشتها .. البحث عن مأوى    الاشتراكي "ياسين سعيد نعمان" أكبر متزلج على دماء آلآف من شهداء الجنوب    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاري جمل
نشر في يمن فويس يوم 10 - 11 - 2011


الكاتب - عاد نعمان
في الصباح الباكر وتحديدًا بعد صلاة العيد مباشرة، ينتظر العجوز مع جمله المحنى وجاريه الذي يشبه جاري بائع الخضروات المصري قدوم الأطفال خلف سور حديقة الملكة فكتوريا وجوار ساحة الجندي المجهول حيث صلى الحشد الكبير. لم يتأخر الأطفال، كانوا فعلًا قد ارتدوا الثياب الملونة الجديدة والإكسسوارات المختلفة – حتى أن بعضهم قد نام ليلة العيد وهو مرتديها !! – هم جاهزون ليتسابقوا على ركوب الجاري الجمل , فمنذ اليوم الأول من أيام العيد وحتى يقتنع الأطفال بأن العيد قد انتهى، يقوم العجوز بمهمته التي أخذها على عاتقه من سنوات ماضية، يجول بالأطفال على ظهر جاريه العتيق يسبقه جمله الصبور في حوافي(حواري) وشوارع المديرية الصغيرة.
غنى الأطفال ورقصوا في العيد على أغانيه المعروفة والمتداولة، وبالتأكيد لم ينسوا الرقيقة صفاء أبو السعود في كرنفالها الغنائي(أهلًا.. أهلًا بالعيد.. مرحب.. مرحب بالعيد)، أدرك كل من وقع نظره على ذلك المشهد الموسمي الجميل، وسمع تلك الجلبة البديعة، كم كنا بحاجة لاستراحة محارب من الحزن والألم اللذين عشناهما في الفترة السابقة. نحن زاهدون جدًا بالفرح لذلك فأيام العيد القليلة كافية لتنسينا كل تلك التعاسة الناتجة عن الخوف والرهبة والأمن غير المستقر. لقد كان الأطفال على قدر كبير من المسئولية لاستقبال ضيف مهم انتظرناه طويلًا !!
,,,
على الرصيف البحري في الدكة القريبة، طفت المراكب الصفراء الصغيرة مسترخية بانتظار الأطفال، لتأخذهم في رحلة على متنها إلى وسط مياه الخليج، لحظات كانوا خلالها فوق البحر وتحت السماء ، الابتسامات والضحكات التي غطت تلك الوجوه الصغيرة كانت كفيلة بأن تغسل آثام الوجوه الكبيرة التي أغرقت البسطاء بالهموم. الأصوات التي كانت تختلط لدى الناس بين انفجار القنابل وانفجار الطماش(الألعاب النارية) قبل العيد صارت صوتاً واحد، لأنها لبست ثوب الفرح مع قدوم العيد، وبالرغم من أن هنالك شكاو من إزعاج الألعاب النارية إلا أن التسامح كان حليف من قام بها ، لا لشيء سوى أنه العيد، فالأطفال سعداء بالالعاب النارية ويسعون لشرائها من أجل التسلية وإدخال الفرحة لقلوب عانت من الرعب على أيد لا تقدر حياتها وحياة من حولها، على الأرض سُمع (بوووووم) وفي السماء (طاااااخ)، شُوهدت تتناثر ألوانًا مختلفة تزين الأفق، فكانت بهجة تسر الناظرين.
يتذكر صديق يعمل معلماً في المرحلة الابتدائية أيام طفولته في العيد، يقول: كنت أمشي مع أصدقائي في الحواري لنجمع العيدية ومن بعدها نقطع مسافة بعيدة لشراء الشبس(بطاطا مقلية) من البوابير(العربات) التي كانت تتنقل لتستقر في الأخير عند الدكة، ومع الأيام اختفت تلك العربات، عوض ذلك الغياب شاب حضرمي هندي وقف خلف زجاج دكانه في طرف إحدى الحواري ليبيع الشبس والبطاط والحُمر والكاتلكس والباجية والسمبوسة للأطفال، يأتونه من حواري قريبة وبعيدة، وتذكر أيضًا تلك المرأة العجوز التي كانت تقطن بداية صعود درج الجبل، لتبيع الإيسكريم بطعم الفيمتو والأخرى التي كانت تعطي أطفال حارتها الشوربت(لبن بالفيمتو أو لبن باللوز) والمدامي(كريم كراميل) كعيدية، كما كانت الأمهات بتوجيه من الجدات يقمن بإعداد الكيك والكعك ليوزعنها على الأطفال وقت العواف في العصر، والعجوز الذي كان يجلس أمام باب بيته على كرسي خشب بريطاني التصميم حاملًا علبة أنيقة ينادي على الأطفال المارين بجواره ليعطيهم نعنع العسل.
من الطقوس الجميلة التي لا يمكن أن ينساها الأطفال في العيد، مرورهم على بيوت قد ألفوا زيارتها في صباح كل عيد، يسلمون على أهلها، يهبونهم الفرح بالعيد، يختصرون العيد بجمل خجولة تحمل الود والمحبة، ليقدم لهم الكبار العيدية(العُيادة) والحلاوة. وعلى الرغم من قلة الهبات العيدية لدى بعض العائلات إلا أنها كثيرة في عيون تشع سعادة لتعكسها على عيون تعطشت لها. يتجلى شكر الرب والرضاء بالقليل بسبب الظروف المعيشية السيئة في رائعة الطفلة المعجزة فيروز والعظيم أنور وجدي الغنائية الاستعراضية.
معانا ريال.. معانا ريال.. دا مبلغ عال.. ومش بطال..
في الأعياد، ليس هناك أكرم من الجدات، كانت جدتي مريم توصيني إلى الدكان لصرف الأوراق إلى قطع معدنية لتعطيها أطفال الحارة خلال أيام العيد، حين يصطفون في طابور قصير أمامها، كلًا بدوره يأخذ العيدية والحلاوة. أتذكر أطول وقت كنت انتظر فيه العيدية واقفًا أمام أم جدتي مريم(جدة مُلك) وقت الظهر، وهي مستلقية على سريرها بعد الغداء، تحاول جاهدة أن تعود بذاكرة أكلها الزمن إلى اللحظة التي صنعت بها تلك العقد والربط حول قطعة الهريس(الحلاوة) بطرف لثمة الصلاة قبل أيام؟! وبتركيز رهيب كيف لها أن تفكها؟!. و بعد جهد جهيد تخرج قطعة الهريس. ما يجعلني آكلها وابكي هو رجاءها بصوت رحيم وبيديها المرتعشتان من تقدم العمر تمدها لتقنعني بأكلها وبأنها لن تعطيني المال بحجة أنني سأصرفه في غير مستحق !!!
لم أحظَ بورقة العشرين، التي كان عمي الكبير يلوح بها عند زيارته لبيتنا في صباح يوم عيد، كنا نظل أنا وإخوتي نتقافز للوصول إليها حتى يغادر البيت، فهو أذكى من أن يجعلها قريبة منا، مقابل القليل من المرح يحصل عليه والكثير من التعب لنا، العشرون التي قد تنتهي ممزقة براحة يد أحدنا. هذا العيد عمري 28 سنة، كبرت على المنافسة للحصول عليها، وما زال عمي إلى اليوم يمارس تلك اللعبة بإعطاء العيدية، افتقد ذلك المشهد.
عصرًا، افترشت العائلات أعشاب الحدائق العامة ورمال الشواطئ، لعب الأطفال بالدراهين والمرجيحات والدويرات، هيلاهوووب.. ذهابًا وإيابًا صوت مرح في سباق مع ضحكة للوصول إلى السماء، التي حاول أن يلمسها طفل بأطراف أصابع قدميه، كان على المرجيحة في لحظة صعود، لتحسبها الملائكة فرحة في عالم الطفولة. يمسك أحد الكبار بقبضة الدويرة الحديدية وبكل قوة يقوم بدفعها، حاولت أن أركز على الطفل الذي توسطها وهي تدور بسرعة، متى سيتوقف ذلك الطفل عن الضحك؟! جاء الجواب بالصوت الملائكي فيروز برائعتها (يا دارة دوري فينا.. ظلي دوري فينا.. تا ينسوا اسأميهم .. وننسى اسأمينا).
تُرى إلى أي مدى كان يدرك أولئك الأطفال أنهم ببعض أهازيجهم العيدية المحلية اللطيفة يجرحون مشاعر الكبار وهم يغنونها بكل براءة وبأصوات عالية. لا يقصدون من وراءها إيصال رسالة.
العيد أجانا.. مو أهبلوه؟!.. هبلوه دجاجة تلعبلوه..
استرجع صديق مقرب في يوم الوقفة ما الذي أستطاع شراءه لهذا العيد وما الذي لم يستطع توفيره وزاد سعره عما يحمله في جيبه، أكتشف أن هناك أشياء ضرورية قد غفلها وأغلفها ليوفر أشياء أهم من الأهم، فيما لم تتوفر الأشياء المهمة هذا العيد كما يجب أو على الأقل كما كان العيد السابق، فالحال من سيء إلى أسوأ والظروف بجملتها لم تعد كما كانت (براح)، ولكنه يعود بعد كل تلك الحسرة ليقول بسعادة بالغة (العيد.. عيد العافية)، أراد أن يقنع نفسه بأنه لم يكن مقصرًا في جعل الفرحة كاملة في عيون تعنيه ويهتم لأمرها، هي متأملة ولا تقبل بأنصاف الأشياء، إما كاملة أو فلا؟! فالجميع يعلم كل العلم بأن العيد.. عيد الجُهال(الأطفال).
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.