جذوته المتقدة مازالت الأمل الرمزي الكثيف لنهاية عقود من العهد الاستعماري البغيض والانتصار نموذج الثورة المظفرة الذي بلورها الاحرار في وطننا الحبيب وأصبحنا نعيش الحقبة الواقعية ... والواقع أن النموذج لم يكن جلي المعالم عند عودته وإن كان سحر الحدث خارقا..!! ومع أن الحراك الجنوبي التحرري تحول في الاونه الاخيرة من عمره المليء بالمنعطفات والانتكاسات قبل انتصار الثورة إلى رمز حقيقي لها إلا أن طبيعة أنصاره ومناضليه يميلون الى العاطفة القاتلة البديل لم يكن محسوما من قبل ولم يكن الحامل الشرعي قد أصدر غليانه الملتهب قبل ازدياد زخمه أكثر من فرصة سياسية واحدة يقدم فيها مشروعه للتخلص من زوائده المعيقة ولا شك أن الحراك السلمي المبارك نموذجا غريبا وفريدا تغيرت الساحة الجنوبية كثيرا بعد اكثر من 7 سنوات من تجربة الثورة.. غابت شخصية الثوار الكاريزماتية ولئن الشعب حافظ على ثوابت الحراك المعروفة وشخوصه مازالت في الواجهة فإن زخمه العبثي المزايد المؤجج انحسر تدريجيا ولم يبق منه إلا حجاب شفاف يغطي الخلافات السياسية العقيمة المرغمة على المرور بالنسق الأيدلوجي .. تساؤل عميق جدا ويحتاج إلى بحث أعمق وتاريخي بالنسبة لنا وماآل إليه وضعنا فالعالم لا يحتاج إلى صوت آخر للاستماع لمطالبنا والأكيد أن شعبنا لا يبحث عن قطيعة وعداء مع الاخر إنما يسعى إلى أن يكون شريكاً ناقداً لممارسات فاقت في وحشيتها كل المقاييس ثم إن خطاب الشارع دقيق وواضح ولا تشوبه شائبة مهاترة أو شعبوية فارغة وفضفاضة. ولذلك لا نكون بخطاباتنا ومناقبنا مفحمين ومحرجِين السلام الاحترام التوسط التبادل الفكري والقيمي للمستقبل المجهول كلمات تبدو مستهجنة في قاموس يحوي مزيج من التوجهات الفكرية ترفض في العادة كل من يتحداها خصوصاً إذا تحداها بالحداثة والانفتاح إبستمولوجيا التي طلقتها منذ زمن لأنها لا تتحمل صوتاً خارجاً عن النمط السائد الذي أرسا خشبية الرأسمالية والرجعية فثقافة الانسان ليست بالكمية المعرفية للفرد وإنما بكيفية التكيف مع هذه الكمية المعرفية ونحن هنا وبدون أدنى شك ليس لدينا ثقافة قبول اراء الآخرين ولا لما طال بنا الأمد الى هذا الحيز من التجاذب. ولهذا بدل أن تنتج عن نقاشتنا الثقافية والسياسية والوطنية أو حتى الحياتية وإن نحول إختلاف أرائنا إلى ظاهرة صحية قد نخلص منها ثمار إيجابي يخدم القضية مثار النقاش فأن ذلك النقاش يتحول إلى خلاف شخصي يعصف بكل الحلول والعمل النضالي في حين كان من المفروض أن يكون الخلاف على فكرة الطرح وليس مع صاحب الفكرة وعليه تظل إستبداية فرض الرأي هي المسيطرة على عقولنا بحيث يجعلنا معها لانستطيع قبول فكرة الآخر أو حتى مناقشتها للوصول إلى نقاش بناء ومفيد وهذا الراي المتسلط يبدو تاريخياً يتحكم بالعقلية الجنوبية ذات الطور القديم وملحقاته وبالتالي يظل فعل متوارث صعب التخلص منه مالم نرقى بمستوى فكرنا عن الآنانية وحب الذات والظهور على حساب الغير وبدأ الإفلاس فكري.