تحوَّل العميد النوبة والشيخ المفلحي علناً ، ومثلهم تحوَّل من قبل محمد علي أحمد والناخبي ومكاوي وباراس ، وقبلهم وبعدهم تحوَّل الكثير سراً . هم يعللون تحولهم بفشل القيادة الجنوبية والمزايدة وتمزيق الصف ، وهذا يجعل الحراك ينهار ويتلاشى ، ولذلك هم تحوَّلوا بغرض انقاذ الحراك وتحقيق مكاسب للشعب الجنوبي ، هذا رأيهم ويمكن أن نقبله كما قالوه . وهذا يضع بين أيديهم سؤال للمستقبل ؛ إذا انعقد المؤتمر الجامع وخرج بقيادة موحدة ، وخطة استراتيجية متماسكة "قابلة للتحقيق" فهل سيعودون كما كانوا ؟؟ هذا السؤال يحتاج إلى إجابة واضحة منهم اليوم قبل الغد .
وقبولنا بحججهم لا يعني كفايتها -في رأيي- لاتخاذ قرار التحوّل الخطير ، بل قبلناها باعتبارها حدود صبرهم وتحملهم للضغوط ، وإدراكهم لحجم الصراع . في رأيي أن الذهاب إلى صنعاء غير مقبول مهما كانت المبررات . ورفضنا للتحوّل ليس ناتج عن عدم إدراك حجم الخلل في الحراك كما قد يتصور البعض ، لا والله ، بل هو نتاج إدراك تام ، أعمق من إدراك المتحولين . نعم هناك تمزق في الحراك ، وهناك تخبط ، ومزايدة ممجوجة ، وتلاعب رخيص ، وإهدار فضيع للفرص ، وارتزاق ، وجهل ، وتصفية حسابات تاريخية ، واختراقات من أطراف معادية لا حصر لها . كل هذا موجود ، لكنَّ وجودها لا يعني النهاية ، النهاية يمكن حدوثها عندما يكون الطرف الآخر -الاستعمار- مستعد لاستغلال هذا الوضع المزري للحراك . وهذا غير موجود في صراعنا .
فلا يمكن مقارنة وضع الثورة الجنوبية -الحراك السلمي- اليوم بوضع الثورات "المثلى" النموذجية . الانصاف هو ؛ مقارنة ثورة الحراك الجنوبي بثورة التغيير اليمنية ؛ مقارنة الصراع بين النخب القائدة في الجنوب مع مثيله في الشمال ؛ تطور الموقف الدولي -إيجابياً وسلبياً- من ثورتهم وثورتنا . بهذه المقارنات يمكن للشخص اتخاذ قراره الصحيح بالتحوّل من عدمه ، أنا شخصياً وضعت هذه المقارنات وكانت النتيجة التي وصلت إليها "وضعنا أفضل منهم" السوء عندهم أكثر منا ، عوامل السقوط متحققه عندهم أكثر من تحققها عندنا . وبهذه النتيجة يمكنني القول أنَّ الشعب الجنوبي يستطيع تجاوز مرحلة السقوط قبل الشمال ، ويمكنه التخلص من هذه القيادات الفاشلة المتصارعة ، وتقديم قيادة أفضل وأقدر وأكفأ .
وبقيادة من هذا النوع سوف يتوقف التحوّل السلبي ، بل وقد يعود كل المتحولين . بل قد تحدث المفاجأة ويحدث التحول العكسي الإيجابي ، فيتحول الكثير من الجنوبيين في السلطة إلى صف ثورة شعبهم ، قد يكون علناً مع الدرجات الوظيفية الدنيا ، وسراً مع الدرجات الوظيفية العليا ، المهم أن التحوّل العكسي سيحدث لامحالة . فهم جنوبيون ، والقناعة الشعبية التي تزيد يوماً بعد يوم حتماً تؤثر عليهم تأثير جاذب ، وما يتعرضون إليه من اغتيالات ، مازالت مستمرة تطحنهم طحن الرحى تحرك جنوبيتهم ، والممارسات العدائية التي يلاقونها في صنعاء تحرك غريزة الدفاع عن النفس في صدورهم .
وخلاصة ما أود قوله : أن الوضع القائم في الثورة الجنوبية اليوم من المنظور العام للصراع وضع يبعث الطمأنينة . ولكنَّ هذا يستوجب العمل لاستثماره ، وعدم الركون لمقتضيات القدر ، فالاعتماد على الحظ والصدف يؤدي إلى استهلاك المراحل والوقت بالأحلام والأماني ، وقد يحل الخصم مشاكله ويخرج من السقوط قبل الجنوب وهنا تكون "النهاية" . ولذلك ؛ فالشعب مطالب بالتحرك لعلاج الخلل وتحقيق شرط التحرير والاستقلال (وجود قيادة قوية متماسكة ، وخطط الاستراتيجية ، ورؤية للمستقبل) وهذا الشرط لن يتحقق إلَّا من خلال مؤتمر وطني جنوبي جامع .
رمضان كريم ، وصيام مقبول وذنب مغفور وتجارة مع الله لا تبور