التقى دنكان كروفورد مراسل بي بي سي على الحدود التركية السورية مع أب بلجيكي، قام برحلة خطرة استغرقت ثلاثة أيام إلى شمال سوريا، في محاولة لإقناع ولده بمغادرة صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش". ويقول بول فان هيش، وهو يروي حكايته حينما التقى وجها لوجه مع مسلحي داعش في سوريا: "بالطبع، لقد كنت مرعوبا". وذهب الأب، الذي يبلغ من العمر خمسين عاما ويعمل مديرا للرعاية المنزلية في بلدة "مينين" البلجيكية، إلى سوريا الأسبوع الماضي ليبحث عن ولده. ويقول: "كان هناك خمسة أو ستة حراس، كلهم مسلحون بالبنادق ويرتدون أقنعة، وأخرجوا لنا الشابين لمقابلتنا". تعليم الشريعة وكان الشابان اللذان يتحدث عنهما بول هما ولده لوكاس البالغ من العمر 18 عاما، وصديقه المقرب عبد الملك بوتاليس البالغ من العمر 19 عاما. وفقد الشابان في الحادي عشر من يونيو/ حزيران الماضي، واتضح فيما بعد أنهما قد سافرا إلى سوريا، والتحقا بصفوف داعش بالقرب من معقلهم الرئيسي بمدينة الرقة شرقي سوريا. ويقول فان هيش: "يقيم الشابان في الصحراء، في منزل يجمع بين شباب من جنسيات أوربية وأندونيسية وصينية أيضا، وهم يدرسون الشريعة هناك". التقى بول فان هيش وجها لوجه مع مسلحي داعش في محاولة لاستعادة ولده من سوريا وسألته: "ماذا قلت لولدك؟" فأجابني: "لم يكن من السهل التحدث، لقد كان الحراس يراقبوننا وكان الأمر خطرا، وبدا ولدي خائفا أيضا". وقام بول فان هيش وإدريس بوتاليس والد عبدالملك بهذه الرحلة الخطرة التي استغرقت ثلاثة أيام للوصول إلى ولديهما عبر صحراء شمالي سوريا الأسبوع الماضي، لكن الشابين رفضا العودة معهما. ديمتري بونتينك (يسار) ساعد بول فان هيش في رحلته إلى سوريا وتم تخطيط الرحلة من جانب أب بلجيكي آخر هو ديميتري بونتينك، وهو جندي سابق استطاع أن يستعيد ولده جيجون بونتينك من سوريا العام الماضي. وقال بونتينك: "لقد سمعوا عني، وعن قصة نجاحي في استعادة ولدي من سوريا، ولذلك فقد اتصلوا بي وطلبوا مني المساعدة واستجبت لهم". مخاطرة شديدة ومن خلال خبرته في رحلته السابقة إلى سوريا، كان بونتينك قد بنى شبكة من الاتصالات، وكان يتردد في الكشف عن الكثير من التفاصيل. لكنه نظم لقاءات مع شخصيات كبيرة في عدة جماعات مسلحة في سوريا، وحصل على موافقتهم بمرور الرجلين للقاء ولديهما. نجح ديمتري بونتينك من استعادة ولده من سوريا العام الماضي ويقول بونتينك: "لقد قال لهما الجميع: لا تذهبوا إلى هناك، إنهم سيقتلونكما، إن الأمر في غاية الخطورة. لكن أحد أمراء داعش منحهما تصريحا لرؤية ابنيهما وجاءت تحركاتهما في حمايته". ووزعت منشورات عن الشابين المفقودين لوكاس فان هيش وعبدالملك بوتاليس على سكان بلدة كيليس التركية، على الحدود مع سوريا. ويعمل لوكاس في مجال المعادن ويلعب الملاكمة، وهو أصلا من هاييتي وتبنته أسرته حينما كان عمره أربع سنوات، وربته وجعلته يعتنق المسيحية، لكنه تحول إلى الإسلام قبل نحو ثلاث سنوات. أما عبد الملك بوتاليس فهو من مدينة كورتريك البلجيكية ونشأ مسلما، وهو يعاني من مرض السكري، حيث اصطحب والد عبد الملك الدواء لولده وبقي في سوريا لمحاولة إقناع الشابين بالعودة. كان لوكاس يلعب الملاكمة قبل سفره إلى سوريا ويقول فان هيش إن الشابين لا بد أن يكونا قد تلقيا مساعدة من طرف آخر للذهاب إلى سوريا، وهو لا يعرف لماذا ذهبا. ويخشى من أن يُنقل الشابان فيما بعد إلى معسكر تدريب على القتال، ويقول: "بعد أشهر قليلة أعتقد أنهم سيجاهدون، لكن الجهاد لا يعني فقط القتال. إنه يعني أيضا مساعدة الناس، وأنا أسأل لوكاس: لماذا لا تساعد الناس في هاييتي؟". ضحية وليس مجرما ويعد الشابان ضمن نحو ألفي شاب أوروبي سافروا إلى سوريا منذ بدء الصراع هناك. وقال فان هيش إن الشابين الصديقين قلقان إزاء عودتهما إلى بلجيكا، لأنهما قد يتعرضان للاعتقال. وأضاف: "يجب على الحكومة البلجيكية أن تنظر إلى لوكاس على أنه ضحية وليس مجرما، إنه لم يفعل شيئا خطأً". تمدد نفوذ "داعش" في سورياوالعراق مؤخرا وتابع قائلا: "إذا قرر لوكاس البقاء هناك سأحترم ذلك، لكنني أعتقد أنه لا يتذكر شيئا عن حياته الماضية، أو أصدقائه، أو وأسرته لأنه الآن في وضع آخر تماما". وقبل أن يفارق ولده في سوريا الأسبوع الماضي نقل فان هيش إليه رسالة من شقيقه الأصغر كريستوفر، البالغ من العمر 15 عاما، كان قد كتبها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وتقول الرسالة: "إنني أبكي كل يوم، وأنام ساعتين فقط، وأمشي في غرفتك التي لم تعد موجودا بها. أعيش مفتقدا لابتسامتك. عد يا أخي، لتكتمل حياتي مرة أخرى، عد من أجلنا، عد فإن الحياة لا تساوي شيئا بدونك". وحتى وقت كتابة هذه الكلمات لم تكن هناك أي اتصالات أخرى مع لوكاس أو عبد الملك أو والده إدريس في سوريا، بينما يستمر بول فان هيش وديمتري بونتينك في القيام برحلات عبر الحدود للوصول إلى معلومات عنهم.