لا يزال المرء يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتَب عند الله أسامة ساري.. والمشكلة الأكبر أن هذا "الصحفي"، الذي بات يقدم نفسه كأحد "الناطقين الإعلاميين" باسم جماعة الحوثي، لا يتوقف عند حدّ: فقد اتهمني الإثنين الماضي ب"الكذب" و"اختلاق" و"فبركة" تقرير كامل كنت قد نشرته اليوم نفسه حول "التحكيم القبلي" الذي قام به أبوعلي الحاكم في قضية المواجهات المسلحة التي اندلعت بين ميليشيا الحوثي وحراسة منزل رئيس جهاز الأمن القومي. قال ما مفاده إن قصة "التحكيم" لم تحدث أبداً، وأعتبرني صحفياً كاذباً يعمل لحساب "مطابخ إشاعات إعلامية" تابعة لأطراف معادية لجماعته. بنى ساري كل اتهاماته لي وتكذيبه للتقرير على معلومة غير دقيقة وردت فيه حيث قلت إن "التحكيم" حصل في عزومة غداء بمنزل أحمد الكحلاني الأحد. كتب قائلاً إنه كان يوم الأحد مع أبوعلي وصحفيين حوثيين آخرين في عزومة غداء بمنزل شخص آخر. وبناء على هذا الخطأ غير المقصود في "مكان" و"موعد" العزومة، نفى حدوث "التحكيم" جملة وتفصيلاً، واتهمني بما سلف ذكره.
تحريت المعلومة مجدداً وعرفت أن مكان العزومة لم يكن منزل الكحلاني بل منزل الصديق المحامي نزيه العماد، وأنها لم تكن الأحد بل السبت. وفي اليوم التالي لنشري التقرير، أي الثلاثاء، كتبت تصحيحاً واعتذاراً عن هذا الخطأ غير المقصود في "مكان" و"موعد" العزومة، ولكني أكدت أن "التحكيم" حدث فعلاً بخلاف ما حاول ساري وغيره إقناع أعضاء جماعتهم به والرأي العام عموماً، وهو أن "التحكيم" خبر "كاذب" و"مفبرك" ولا أساس له من الصحة. واكتفيت بذلك التصحيح الذي لم أرد فيه على حملة الاتهامات والإساءات والتشهير التي تستهدف الطعن في ذمتي الشخصية والمهنية والنيل مني بشتى السبل. لقد غضضتُ الطرف عن كل تلك الاتهامات والإساءات معتقداً أن ساري ومن على شاكلته من "أبواق" الحوثي سيخجلون ولو قليلاً من أنفسهم ويعتذرون لي بينهم وبين أنفسهم على الأقل بعد أن يكتشفوا أن "التحكيم" حدث فعلاً وأنني لم "أفبركه" ولم أكن كاذباً، وأنهم اتهموني وأساءوا لي دون وجه حق.
لكنْ، من أين ل"صحفي" مثل أسامة ساري ومن على شاكلته من "الصحفيين الميليشاويين" أن يخجلوا من أنفسهم أو يعتذروا؟! فهم يتعاملون مع مهنة الصحافة باعتبارها "خادمة للسلطة" و"صبَّابة قهوة لها"- سلطة جماعتهم وقادتها أقصد- وليست سلطة رقابة عليهم ومحاسبة لهم من أهم مهامها: نقل الحقيقة كما هي للرأي العام دون تضليل ولا تزوير، وتسليط الضوء على أخطاء الأقوياء والحكام وانتقادها. لهذا، وبدلاً من الإعتذار، تفاجأت اليوم أنه نشر بالأمس "تصريحاً" على لسان أبوعلي الحاكم يهاجم فيه "الاعلاميين والصحفيين المأجورين" الذين تحدثوا عن خبر "التحكيم"، وبالطبع لم يكن هناك من تحدث عن هذا الموضوع سواي، وصحيفة (الأولى) التي نشرت التقرير.
"اتصل لي قبل قليل ابوعلي الحاكم مبديا استياء شديدا من ممارسات الإعلاميين والصحفيين المأجورين الذين قال أنهم يروجون الأكاذيب باسمه بهدف تلميع وتضخيم حجم الأمن القومي وادعاء أنه قام بتحكيم الأحمدي رئيس الأمن القومي في قضية اعتداء حراس الأحمدي على اللجان الشعبية"، هكذا بدأ ساري منشوره الذي افتتحه بتكذيب موضوع "التحكيم" واختتمه بتأكيده كله وبالتفصيل:
"وقال أبوعلي ان هذا غير صحيح ..نحن لم نحكم ..فنحن لم نرتكب خطأ ولم نعتدي بل تعرضت اللجان الشعبية وهي مارة في الشارع العام لاعتداء من قبل حراس منزل الأحمدي ..وهذه جريمة لا تغتفر فليس من حق رئيس الأمن القومي قتل المارين في شوارع قريبة من منزله. وأضاف ابوعلي ان اللجان الشعبية كانت جاهزة للرد على الاعتداء ولكن تدخل وسطاء وطلبوا أن يحتكم الطرفان إليهم. وسلمت بندق لاحمد الكحلاني وعارف الزوكا وعوض بن فريد بندق نصف واحتكام وليس تحكيم بل ليتولوا التحقق من مصدر الاعتداء". وتابع ساري نقلاً عن أبوعلي: "ولكن الأحمدي رفض تقديم بندق مماثل لانصافنا إذا ثبت أن العدوان منه علينا. وعندما رأى جدية في موقف اللجان الشعبية للرد على العدوان اضطر إلى المثول الاحتكام وسلم هو الآخر بندق لاحمدالكحلاني وعارف الزوكا لانصافنا في الاعتداء الذي شنه علينا". هل أتى أبوعلي الحاكم في تصريحه هذا بشيء مناقض لما قاله تقريري أصلاً؟ "هذا غير صحيح.. نحن لم نحكم" ثم أورد بنفسه قصة "التحكيم"! لكنْ، هذا مش "تحكيم"، هذا "احتكام".. طيب، يا أبوعلي الحاكم وأسامة ساري، ما اختلفناش.. سأفترض أنه لم يكن "تحكيماً"، بل "احتكام" رغم أنك يا أبوعلي قلت لعارف الزوكا: "إحنا محكِّمين"، وقدمت بندقك له. لكنْ، لنعتبره "احتكاماً" كما قلت، فهل سيغير هذا من الموضوع شيئاً لدرجة جعلكم تتهمون صاحب التقرير- الذي هو أنا- ب"الكذب" وتصفونه ب"الصحفي المأجور" وووو؟!
حين اعترض أحد الحوثيين على قيام القائد الميداني للجماعة ب"التحكيم" أو "الاحتكام" بحجة أن القتلى الحوثيين أكثر من قتلى حراسة رئيس الأمن القومي (3 مقابل قتيل واحد)، رد عليه أبوعلي بأنه لو قتل حتى مائة فإنه كان يدافع عن بيته. هذا مما ذكرته في التقرير، وهو موقف محترم يقدم "أبوعلي" كرجل يعرف الخطأ ويتراجع عنه ويرفض قيام ميليشياته بالاعتداء على منازل الناس. لكنْ يبدو أن هذا الموقف المحترم هو ما تراجع عنه أبوعلي مؤخراً وليس الخطأ، خطأ الإعتداء على بيت الأحمدي. ففي تصريحه لساري أمس، يبدو واضحاً أن الجماعة التي انتفض إعلامها وأرغى وأزبد بعد نشر التقرير دفعت قائدها الميداني الى التراجع عن موقفه، ولكنْ من خلال مهاجمة "الصحفي المأجور والكذاب" الذي لم يكن سوى الفقير لله كاتب هذه السطور.
هذا الاحتمال يتعزز أكثر بالنظر الى تصاعد الحديث اليوم عن أن أسر القتلى الحوثيين ترفض "التحكيم" أو "الاحتكام" وتطالب بدم أبنائها، وبالنظر الى محاولة بعض ناشطي الجماعة تأليب وتحريض هذه الأسر علي أنا وكأنني من أطلق الرصاص عليهم بينما لم أقم في الواقع بأكثر من نقل خبر "الاحتكام"! إنه أمر مؤسف أن يتراجع أبوعلي عن موقف محترم اتخذه في قضية اعتداء على بيت، ومؤسف أكثر أن ينجر الى اتهام صحفي لم يقم بأكثر من نشر تقرير محايد عن ذلك الموقف المحترم الذي أتخذه ب"الكذب" وبأنه "مأجور" وهلُّم جراً! لو كنتُ صحفياً مأجوراً يا أبوعلي لوجدتني مكان أسامة ساري أزوِّر لكم الحقائق وأضلل الناس وأكذب عليهم كلما طلبتوا مني ذلك. تكادون تصبحون الجماعة الوحيدة تقريباً التي تستقطب الآن جماهير غفيرة من الصحفيين المأجورين والسياسيين المرتزقة ولاسيما بعد أن بسطتم يدكم على الدولة وعلى الواقع وبعد أن أصبحتم القوة رقم (1) في البلد. لا أظنك تجهل هذا..
لا أحب قول مثل هذا الكلام، لكنْ طالما وقد وصل بكم الأمر الى اتهام صحفي مستقل وأعزل مثلي بكل هذا، فيجب علي قول ما يلي: في بدايتكم، حين كنتم جماعة صغيرة يتعرض كل من يشتبه بانتمائه لها لانتهاكات من قبل النظام، كنت أنا وقلة من زملائي الذين "يتبلطج" إعلامكم وأجهزة دعايتكم وإشاعاتكم عليهم اليوم هم من وقفوا ضد انتهاكات النظام لحقوق المحسوبين على جماعتكم كحقوق مواطنة وكحقوق إنسان، وليس أسامة ساري ومن على شاكلته من "أبواقكم" الميليشاوية السيئة والمسيئة ليس لي ولمن يخالفونكم الرأي فقط بل لكم في المقام الأول.
والآن، بعد أن دان لكم الجميع وأصبحتم القوة رقم (1) في البلد، القوة التي يهابها الجميع ويتملقها الكل، وبعد أن أصبحت جماعتكم صاحبة نصيب الأسد من الأخطاء والانتهاكات، تغير موقفي منكم وأصبحت أنتقدكم ليس لأن هناك طرفاً "يدفع لي" أجراً مقابل انتقادكم ولا لأنني أحقد عليكم كجماعة بل لأنكم أصبحتم الجماعة المهيمنة والحاكمة وسيدة الأخطاء والاعتداءات على الناس وبيوتهم وأسرهم. هذا كل ما في الأمر. ولو كنت "صحفياً مأجوراً" كما يحاول "الصحفيون الميليشاويون" التابعون لك ولجماعتك اقناعكم، لكنت معهم ومثلهم أبيع ذمتي وضميري لكم، إذ أنكم أصبحتم أكبر قوة شرائية للضمائر والذمم.. بل إنكم غالباً ما تنهبون ضمائر الناس وذممهم نهباً كما تنهبون أسلحة الجيش اليمني، تنهبونها بواسطة التخويف والترويع والترهيب..
هل تعرف يا أبوعلي أين كان أسامة ساري في أيامكم العصيبة تلك؟ هل تعرف من كان يخدم كما يخدمكم اليوم؟ كان بوقاً لحسين الأحمر، كان بوقاً ل"أسد السنة".. ألم يخبرك أنه كان بمثابة سكرتير صحفي لأسد السنة؟ وإنْ لم يكن قد أصبح فعلاً سكرتيره الرسمي، فقد كان يقدم نفسه للناس بهذه الصفة ويسعى اليها على الأقل..
أحاول قدر الإمكان تجنب الدخول في مهاترات أو معارك صحفية مع أحد خاصة مع من يفترض بأنهم "زملاء لي". ولا أريد تذكير أحد بما كانت عليه مواقف فلان أو علان في الماضي، لكن- في المقابل- لن أقبل أن يقوم كل من هب ودب من "الصحفيين الميليشاويين" بالطعن في ذمتي والنيل مني على الفاضي والمليان بعد كل تقرير أو مقال أكتبه. اعطوني مقالاً واحداً زايدت فيه على أحد، لا أتذكر أنني زايدت يوما على أي "زميل" رغم ملاحظاتي الكثيرة على كثيرين، وليس من عادتي اطلاق الاتهامات على هذا وذاك كلما قرأت لهم مواداً لا تروقني ولا أتفق معها. فكيف يعطي هؤلاء أنفسهم الحق في اتهامي ب"الكذب" وبأنني "مأجور" وووو الى آخر قائمة الاتهامات والإساءت الطويلة والتي تزداد طولا كل يوم؟!
الكذب لدى معظم الناس مشكلة، لكنه لدى أسامة ساري ومن على شاكلته "ضُمَار"!