الحراك عكس الجمود والموات ، فلو طبقنا هذه الفكرة على حركة الارض مثلا، فانها لا تتحرك حركتين فقط الاولى حول محورها والثانية حول الشمس -كما تعلمنا في المدرسة_ .. ولكن الى جانب ذلك للأرض حراك دائم ضمن النظام الشمسي ومع النظام الشمسي حول مركز المجرة ومع المجرة ومجموعات المجرات في الكون .. أي "حراك" لا ينتهي. كنت قد تناولت في مقال سابق في هذا المنبر الحر ملامح دولة الجنوب القادمة.. ومن الطبيعي ان الامور نسبية ، ولكن كما يقول المثل الشعبي: من يجرب المجرب عقله مخرب.. لذلك ونحن قاب قوسين أو ادنى من ترتيب البيت الداخلي الجنوبي قد نسأل انفسنا أسئلة عن مضمون هذه الدولة، بعد ان نكون قد عرفنا بأنها جمهورية وديموقراطية وذات سيادة .
هل ستكون كمثل جارتها الشمالية اليمن؟ او مثل جارتها اريتريا أو الصومال أو نرتفع الى الشمال الافريقي العربي مثل تونس أو الجزائر؟ هل تكون مثل مصر مثلا؟ طبعا لحظات التأسيس هي الصعبة.. هل نشهد "حراكا" لدى النخب الفكرية والاكاديمية كل في مجال اختصاصه؟
الحراك سياسيا: هل ستكون المنظومة السياسية من الأحزاب الحالية المستنسخة شمالا، هل نتصور القوى السياسية القائدة مرتهنة للخارج "وتستلم اموال من صانعي السياسات " من خلف الحدود؟ وهل ستقودنا
هذه القوى نحو تحقيق تنمية فارقة ، واحراز تقدم ملحوظ نحو المستقبل وتعوض المحرومين والمقهورين بدون الالتفافات الشعبوية والوعود الراشية للجمهور؟ هل سنكرس الولاءات للأفراد والمنطقة والقبلية ،ام سيكون ولاءنا للدستور والمواطنة في إدارة الدولة والمجتمع؟
الحراك فكريا: هل سنكرس تعليما للنشء - كما هو حاصل لدينا وفي الجوار العربي- هدفه صنع العطالة والبطالة والتطرف الديني وكراهية الآخر ومحاربة البيئة والانعزال عن الواقع والغش وتفريخ جيل جديد من الفاسدين ؟ أم سنفكر خارج الصندوق! هل سيكون السلفيين قادة الفكر الديني في البلد ام المتصوفة أو التكفيريين أو ان هذه الدولة لن تسلم رقاب أبنائها للملل والنحل، وتضع الحد الفاصل بين بناء الدولة واقامة الشعائر التي لا خلاف عليها، وتحدد ان لا سلطه لهذه التيارات في السياسة والتعليم والقانون، أهم ركائز بناء المستقبل؟
الحراك اقتصاديا: ما هو الموقف من الثروة والقطاعات الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي لتنمية الثروة وتوزيعها؟ هل سنعتمد الاقتصاد البحري ؟ هل سنخطط لنكون دولة برمجيات ؟ هل سنستثمر في رمال الربع الخالي؟ لكي نكرس ذلك في المناهج التعليمية والبحوث الجامعية وخلق اقتصاد انتاجي وفرص عمل بناء على فلسفتنا التي سنتخذها؟ أم سنطلب البيتزا والبرجر والعمالة من الخارج ؟
الحراك اجتماعيا: هل سنتخلى عن المنجزات الحضارية التي احرزتها المرأة الجنوبية على مستوى الاسرة والمجتمع ما قبل الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية؟ ام سنبني عليها ونغمرها بما احرزته الانسانية من مكاسب للمرأة في اللحظة الراهنة؟ هل سيعامل الناس بأن فلان ابن شيخ وعلان ابن عامل، او هذا من منطقة كذا وذاك من منطقة كذا ، بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص؟ أم نكرس قدسية المواطنة المتساوية بين الجميع؟
وهناك الكثير من الاسئلة حول توجهات الدولة على سبيل المثال في الأمن و الدفاع، الحكم المحلي، الثقافة، الصحة، الزراعة، الكهرباء، التعليم العالي والعلاقات الخارجية. لا بد ان نشهد "حراكا" لدى النخب الفكرية والاكاديمية حولها كل في مجال اختصاصه ، هذا من ناحية، ومن الطبيعي ان تكون هذه الامور قد نوقشت في دوائر مغلقة واخذت حقها من التدقيق والتمحيص الهادئ ، من ناحية أخرى .
ولكن يبقى السؤال هنا : هل نجرب المجرب أم نفكر خارج الصندوق؟