تابعت كل القنوات الفضائية وقرأت الكثير من التحليلات والكتابات التي تناولت انقلاب صنعاء ؛ و قد اقتصر الحديث من زاوية يمنية داخلية فقط ، وأغفل النظر عن اللاعب الخارجي ، الذي اعتبره في رأيي هو صانع الحدث ، وهو المستفيد الرئيسي منه . فالعملية كبيرة جداً وليس من السهل الإقدام عليها ، والنقاط الأربع التي ساقها السيد عبدالملك في خطابه يوم أمس لاتحتاج لاسقاط السلطة كي ينفذها . . . كان يمكنه تحقيقها دون الحاجة إلى مغامرة بهذا الحجم ، قد تؤدي إلى غرق اليمن في حرب أهلية . . . فالسيد في خطابه اتهم الرئيس بالتآمر لتقسيم البلاد ، بينما هو -السيد- نفذ التقسيم فعلياً ، وهذا التخبط يؤكد وجود اللاعب الخارجي .
والرئيس هادي ليس بريئاً من وقوع الحوثي وإيران في هذا المأزق . فهو ليس كما تصفه القنوات الفضائية بالضعيف والفاشل ؛ بل هو الفاهم المدرك لخفايا الساحة اليمنية...! .. ففي رأيي أنَّه طبق استراتيجية مونتيجمري مع ثعلب الصحراء رومل "استفزاز الخصم ودفعه للهجوم بكل قوته" وهذا مافعله الرئيس ؛ وكان تعيين اللواء الصبيحي استعداد لمواجهة ميدانية متوقعة .
وهنا لابدَّ من وقفة مع الصبيحي ؛ فمهما يكن خلافنا معه بسبب خديعتنا والتلاعب بنا خلال الثمانية أشهر قبل تولِّيه الوزارة ، إلَّا أن هذا لايعني أن ننكر كفاءته كجنرال حرب ميداني عظيم ، نعم هو قائد محنك وشجاع . . . لكنَّه مع الأسف خذل الجنوب حتى اليوم . ومازلت على موقفي "سوف يندمون على خذلانهم لشعبهم" .
وقد كانت بداية المواجهة مع الحوثي في وزارة الدفاع ؛ عندما قام الصبيحي بطرد كل عناصر الحوثي من الوزارة قبل أسابيع ، ونقل كتيبتين إلى مجمع الدفاع . . . ثمَّ الضغط على مراكز تواجد مليشيات الحوثي في صنعاء "ضغط غير ظاهر للعيان" . . . وسار بالتوازي مع العمل العسكري ؛ عملية سياسية تفاوضية قادها الرئيس بنفسه ويعاونه الدكتور أبن مبارك ، قد يكون شابها شيء من التلاعب بالحوثي .
و عندما قام الحوثي بخطف أبن مبارك كان هدفه من ذلك الحصول على مسودة الدستور فقط ، لكنَّهم عندما حققوا مع الرجل اكتشفوا أشياء أخرى كانت خافية عنهم ، فأخلتطت على الحوثي كل أوراقه ، وأوقعه ذلك في مربع الارتباك . . . وهذا في رأيي يدفعه إلى الاتصال بحلفائه في طهران وبيروت ؛ واضعاً بين أيديهم كل المعلومات .
كان على الحوثي التنبه إلى أن حليفه حزب الله في مأزق مقتل مجموعة من قياداته ، وهو في حالة عجز عن الرد ، ومحرج أمام انصاره . . . وإيران في مأزق فشل مفاوضات الملف النووي ، ومأزق انخفاض سعر النفط وتدهور الاقتصاد الإيراني ، وكلاهما يبحث عن حدث عظيم يخرجهما من المأزق ، لكنَّ الحوثي لم يحسب لذلك ووقع في المطب .
وكما قلت في مطلع المقال "النقاط الاربع والمبررات التي ساقها الحوثي في خطابه هزيلة لاتستحق فعل مافعله" وهذه الحقيقة يدركها رجل الشارع وليست بحاجة إلى عبقرية . . . وهذا هو الذي يجعلني أقول أنَّ قرار انقلاب صنعاء قراراً إيرانياً بامتياز .
وفي رأيي أن زيارة الرئيس المصري السيسي المفاجئة إلى الرياض كانت حول تحرك الحوثي والدور الإيراني ؛ لو كانت زيارة للاطمئنان على صحة الملك كان أٌعلن عنها أو تسرَّيت قبلها بأيام . أمَّا فجائيتها فهي تدل على حدث عظيم مفاجأ أيضاً .
و لا استعبد أن تكون إيران أخذت موافقة روسية . . . والتواطء الروسي يمكن إدراكه من خلال موقف مجلس الأمن "أدان مجلس الأمن التصرف الحوثي" . . . مجلس الأمن ليس في حاجة إلى إدانة ؛ فقراره رقم (2140) تحت الفصل السابع ؛ كان من بين بنوده عقاب كل من يستخدم القوة لفرض مواقف سياسية على الأطراف الأخرى . . . وفي رأيي أن الإدانة تعني تنصل الأممالمتحدة من التزاماتها ، وهذا التنصل نتيجة موقف روسي رافض لعقاب حلفاءه في المنطقة . ولو عدنا إلى خطاب الرئيس الروسي بوتن قبل أيام ، وهو يتحدث عن الإجراءات الدفاعية ضد تدهور سعر النفط ؛ تطرَّق إلى تحريك حلفاءه في المنطقة .
لقد كان وجهه السيد عبدالملك يتحدث بأشياء عكس ماتقوله لسانه ؛ كان خجلاً ممافعله ، ومما يقوله ؛ وهو يعلم أنَّ المستفيد ليس اليمن بل إيران وحزب الله . . . خطاب طويل "ساعة ونصف" من الكلام المكرر ، والتناقض في الطرح ، والدوران في نفس المكان ؛ كرَّر ذكر مصلحة اليمن عشرات المرَّات ، وأنَّه تحركه من إجل مصلحة اليمن وليس أطراف أخرى ؛ وهذا يندرج تحت عنوان "يكاد المريب أن يقول خذوني" .
و دخل السيد في خطابه في دائرة التعصيب الجماهيري عِدَّة مرَّات ؛ ثم وضع لهم الهدف "مأرب -عدن - حضرموت" لكل اليمن واليمن كله لها . . . صيغة واضحة كانت استراتيجية حرب 1994 "الفيد" ؛ كأنَّه يقول "ياإهل اليمن الشمالي" أنا أقاتل حتى اسيطر على الثروات لي ولكم ، فكونوا معي .
كان هذا الكلام "التعصيبي" مخيِّب للآمال . وكان تناوله لموضوع المكالمة الهاتفية بين الرئيس وإبن مبارك تناول تحريضي سمج ، يهدف لفتح نعرات جنوبية لاداعي لها . لم يكن هذا ما ننتظره منه ؛ كُنَّا ننتظر منه توضيح حول مشروعه "الحل العادل للقضية الجنوبية100٪" .
ماكان للسيد أن يقع في هذه الأخطاء إلَّا حرصه على صناعة مبررات وطنية لانقلابه . . . وهذا ما جعلني أقول أن الانقلاب كان صناعة إيرانية والهدف منها تصفية حسابات مع دول الخليج ، ليس لنا فيها لاناقة ولا جمل .