إذا كانت تنقصك الأدلة حول صعوبة صناعة السياسات لدى البنوك المركزية فما عليك إلا إلقاء نظرة على محضر الاجتماع الأخير لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. يكشف محضر الاجتماع عن أعداد لا حصر لها من الاعتبارات المتزاحمة، والتفسيرات المتنافسة، وبالتالي، الأحكام التي تواجه الاحتياطي الفيدرالي، والتي تعمل، على العكس من نظيراتها في أوروبا واليابان، ضمن اقتصاد يتعافى تدريجيا ويتجه نحو النمو المرتفع وإيجاد قوي لفرص العمل في السوق. تفيد محاضر الاجتماع بأنه رغم إقرار الاحتياطي الفيدرالي بالتحسينات الملحوظة على الاقتصاد المحلي، فإن البنك المركزي ليس على عجلة من أمره للإعلان عن انطلاق النمو الاقتصادي. لا تزال هناك الكثير من التساؤلات قيد الطرح. وبالفعل، لا يتمكن مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي من مجرد الموافقة على الخط الأساسي المتعلق بمسألة رئيسية ومهمة مثل الأثر الاقتصادي لذلك الانخفاض الحاد في أسعار النفط. قبل وقت ليس ببعيد، كان يمكن اعتبار انهيار أسعار النفط من قبيل الأنباء الطيبة بصورة لا لبس فيها. ولكن في هذه الأيام، فإن آثارها صارت عصية على التمييز. وبلا شك، فإن أسعار الوقود المنخفضة تصب في صالح المستهلكين، توفيرا لما يعادل الخفض الفوري والكبير للضرائب، غير أن ذلك الانخفاض يسبب دمارا في النشاط الاستثماري لقطاع صناعات الطاقة المحلية المهمة. لا تقتصر العوامل المتنافسة على القضايا الداخلية فحسب؛ فالاحتياطي الفيدرالي عليه اتخاذ وجهة نظر أكثر عالمية في تقديراته الحالية حول أوروبا واليابان المناضلتين، حيث يتخذ ميزان المخاطر الاقتصادي لديهما منحى سلبيا (بالنسبة إلى أوروبا، تلعب حالة عدم اليقين الجيوسياسية دورها المهم)، مع ارتفاع سعر الدولار بصورة ملحوظة. كذلك، لا تقتصر الاعتبارات المتضاربة، الداخلي منها والخارجي، على المجال الاقتصادي فقط، حيث يتعين على الاحتياطي الفيدرالي إيجاد حالة من التوازن الحساس بين الاستقرار المالي الفوري والهدوء طويل الأجل. وليس من السهل توفير كلا الأمرين في حين أن المنهج المعتمد - من حيث القمع المصطنع للتقلبات المالية بواسطة الاستخدام المطول للسياسة المالية غير التقليدية - يعمل على تحقيق الاستقرار قصير الأجل ويزيد من خطر الاستقرار طويل الأجل. يعد ذلك الأمر من الصعوبة بمكان، وخصوصا عندما يكون النمو العالمي مخيبا للآمال، حيث تجعل تلك البيئة من الأمر أكثر تعقيدا في تحديد ميقات أول زيادة في سعر الفائدة، غير أنها لا تغير من الكيفية والغرض في شيء. فسرت الأسواق محاضر اجتماع يناير (كانون الثاني) من واقع أنها تشير إلى ضعف احتمال أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يستخدم اجتماع يونيو (حزيران) للبدء في أول دورة من دورات رفع أسعار الفائدة خلال سنوات كثيرة. قد يكون لذلك تفسيره المنطقي غير أنه لا يحرك الجدول الزمني لما هو أبعد كثيرا من يونيو. وعندما يبدأ الاحتياطي الفيدرالي بالفعل في رفع أسعار الفائدة، ربما في وقت ما خلال هذا الصيف في تقديري، فسوف ينفذ تلك العملية بتدرج وتأنٍ، وهي من المسائل التي أكدت محاضر الاجتماع الأخيرة أنها سوف يرافقها الكثير من لهجة توجيه السياسات الآجلة المطمئنة، وسوف تنتهي كذلك أدنى من المتوسطات التاريخية لأسعار الفائدة الحالية. * بالاتفاق مع «بلومبيرغ»