تصف دراسة صادرة عن معهد بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية ردّ الولاياتالمتحدة على كل من إيران وتنظيم “الدولة الإسلامية” بالغامض والمتناقض. وتشير الدراسة، التي تأتي في ظلّ تصاعد الخلاف الأميركي الإسرائيلي حول الموقف من الملف النووي الإيراني، إلى أنه في الوقت الذي تسعى فيه الولاياتالمتحدة إلى التهدئة مع إيران تدفع بدول أخرى في المنطقة إلى التحالف مع نفس الجهاديين الذين تحاربهم. دعا باحث اسرائيلي الولاياتالمتحدة الأميركية إلى إعادة النظر في التهديد الإيراني عبر مواجهته بدلا من التهدئة مع زعمائها حتى عبر السماح للجهاديين بخوض حرب في إيران قصد استنزاف جهودها ومن ثم إجبارها على التخلي عن برنامجها النووي ومشروعها التوسعي في المنطقة. ويقول الباحث هلال فريش، في دراسة صدرت عن معهد بييغن السادات، للدراسات الاستراتيجية والأمنية، إن عمليات الذبح التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية لا تكتفي بصنع عناوين مفزعة بل تؤثّر عاطفيا على زعماء الدول الكبرى حيث يجب أن يطغى العقل بدل العاطفة. لكي تواجه الولاياتالمتحدة والدول الحليفة الجهاديين من أجل عمليات الذبح التي يقومون بها، تقوم بشن حملة قصف جوي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وفي الوقت نفسه تنهمك في التهدئة مع إيران التي تعتقد خطأ أنها تقف في صفّها ضد الحركات الجهادية السنية. ويعتبر الباحث أن هذا الأمر مؤسف لأنه بينما يتم احتواء الجهاديين بصورة ناجعة مثلما يبينه انسحاب تنظيم الدولة الإسلامية من المدينة السورية عين العرب-كوباني الواقعة على الحدود السورية التركية بعد قرابة خمسة أشهر من محاولة اجتياحها، ما فتئت إيران تسجل مكاسب إقليمية كبرى. وتحقق إيران هذه المكاسب عبر وكلائها في المنطقة مثل “أنصار الإسلام” الشيعية، المعروفة أكثر بالحوثيين في اليمن، وعبر حزب الله في لبنان. ويعتبر الباحث الاسرائيلي أن هاتين الحركتين “ليستا أقل تعصبا ووحشية من منافسيهما من الحركات الجهادية”. ويذكّر فريش في هذا السياق بأن الشعار الرسمي للحوثيين هو “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل”. في اليمن، تحذّر الدراسة الاسرائيلية من أن حمام دم يلوح في الأفق في ظلّ محاولات إيران المستميتة للسيطرة على مضيق هرمز وكذلك باب المندب، وهو المضيق الضيّق بين اليمن وشرق أفريقيا الذي تمر منه 14 بالمئة من مواد الطاقة في العالم ويمثل شريانا دوليا مهما في التجارة إلى قناة السويس. وفي لبنان، يقول هلال فريش، إن حزب الله يزيد من امتداده داخل الجيش اللبناني في الوقت الذي يزداد فيه تورط الجيش في المعركة ضد الجماعات الجهادية وخاصة جبهة النصرة. وما انفك التحالف بين حزب الله والجيش اللبناني يتوطد تحت عباءة إيران حيث شمل زيارات ذات مستوى عال لسياسيين إيرانيين كبار ودبلوماسيين ومستشارين عسكريين إلى لبنان على مدى الأشهر الماضية.
باتريك كلاوسون: آن الأوان لإحداث صدمة أخرى لإيران بإظهار أن العالم لا يحتاج إلى نفطها
مؤامرات إيران وتوقّفت الدراسة عند مؤامرات إيران وحزب الله ضدّ البحرين، مشيرا إلى أن نصر الله تدخّل، في إحدى خطاباته الحديثة، في الشأن الداخلي للمملكة الخليجية حين اعتبر “استمرار اعتقال أمين عام جمعية الوفاق المعارضة في البحرين علي سلمان أمرا خطيرا”. وقد استنكر مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشدة تصريحات أمين عام حزب الله حسن نصرالله، بشأن الأوضاع في مملكة البحرين. وقال الأمين العام للمجلس عبداللطيف بن راشد الزياني إنها تحريض صريح على العنف بهدف خلق شرخ طائفي وبث الفرقة بين أبناء شعب البحرين. وقال الزياني في بيان صادر عن الأمانة العامة للمجلس «إن نصرالله تجاوز في تصريحه الأخير التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين، إلى محاولة يائسة لزعزعة السلم الاجتماعي للمملكة وتهديد أمنها واستقرارها، وهو ما لن يتحقق بإذن الله، ثم بفضل وعي الشعب البحريني وحرصه على تعزيز مكتسباته التنموية». هذه المكاسب المتمثلة في محاولة السيطرة على اليمن (التي تعتبر من وجهة النظر السعودية وأغلبية الدول الخليجية، الدولة العربية الثانية بعد العراق التي تقع تحت السيطرة الإيرانية) ومزيد إحكام السيطرة على لبنان لم تكن لتتحقق، وفق هلال فريش، لو لم تتشجع إيران بشعورها بأن توسعها في مجال برنامجها النووي العسكري فضلا عن امتدادها الإقليمي المتزايد يقابل بسعي الغرب إلى التهدئة معها بدلا من مواجهتها. التهدئة لا تنفع بدلا من ممارسة الضغط على إيران، استمات أوباما في معارضة محاولات الكونغرس زيادة العقوبات في انتظار التوصل إلى اتفاق حول المسألة النووية. كما عقد وزير الخارجية كيري عدة لقاءات على مستوى رفيع مع وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف وتم وصفها بأنها كانت مثمرة وودية. وبناء على ذلك يتساءل الباحث الاسرائيلي: ماذا عسى القادة الإيرانيين أن يفكروا فيه بعد مفاوضات لا تنتهي معهم لتستغل إيران خلالها الوقت من أجل تطوير قدراتها النووية العسكرية؟ كيف لطهران أن تفكّر بشكل مغاير في الوقت الذي تواصل فيه الولاياتالمتحدة غاراتها عن طريق الطائرات دون طيار ضد أهداف القاعدة والقبائل السنية المتحالفة معها في اليمن؟ إن السياسة الأميركية في التهدئة مع إيران وحلفائها ليس لها أي معنى، وفق دراسة معهد بيغن السادات، التي يضيف معدّها قائلا: ربما تكون الولاياتالمتحدة تحارب تنظيم الدولة الإسلامية، لكن بنهجها سياسة التهدئة مع إيران تدفع الدول والقبائل السنية المعتدلة في العراقواليمن إلى التحالف مع نفس الجهاديين الذين تحاربهم. يبدو أن سياسة التهدئة تجاه إيران عقيدة أوسع تتمثل في حاجة الولاياتالمتحدة إلى إعادة ترسيخ قدمها بعد الخروج من التزامات عسكرية ممتدة خلال العقد السابق عن طريق إيجاد توازن قوى بين تركيا ومصر والسعودية، أي الدول الإقليمية المهمة بغض النظر عن درجة الصداقة التي تظهرها هذه الدول تجاه الولاياتالمتحدة. يجادل الداعون إلى هذه العقيدة بأن هذه الدول الفاعلة في المنطقة ستقيّد تحركات بعضها البعض لخلق نوع من الاستقرار دون أن تتكبد الولاياتالمتحدة تكاليف تذكر في الأرواح والأموال. وتستطرد الدراسة مشيرة إلى أن هذه العقيدة ربما تكون لها جاذبية نظرية لكنها بالكاد تكون واقعية، وذلك أساسا لأن اثنتين من هذه الدول وهما إيرانوتركيا لديهما طموحات امبريالية مستندة إلى ماضيهما الامبريالي ومشهد أوتوقراطي أصولي، وهذا يعني إيران خاصة.
من شأن الاختراق النووي المحتمل أن تحققه إيران وامتدادها الإقليمي المتزايد عبر وكلائها أن يزعزع استقرار المنطقة عن طريق الانتشار النووي. وهذا يفرض، وفق هلال فريش، على الولاياتالمتحدة تغيير مسار سياساتها بطريقتين واضحتين: *أولا إعطاء الأولوية للتعامل مع التهديد الإيراني عبر مواجهته بدل انتهاج سياسة التهدئة. * ثانيا ترك إيران تواجه المشكل الجهادي بدلا من “الركوب المجاني” على حساب الولاياتالمتحدة. يرى هلال فريش، في نهاية بحثه، أن أحسن طريقة لخدمة المصالح الغربية هو تحويل إيران إلى فيتنام جديدة، حيث يجد الإيرانيون أنفسهم مجبرين بحكم تكاليف الحرب على التخلي عن البرنامج النووي العسكري ووضع حد لمحاولة الهيمنة على المنطقة التي لا يمكن إلا أن تنشر الفوضى في المنطقة. بينما يدعو، باتريك كلاوسون وهو مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في سياق متّصل، الولاياتالمتحدة إلى أن تقنع قادة إيران أنّه كلما استمر الجمود في الملف النووي لفترة أطول، ازدادت معاناتهم. وأسفرت العقوبات عن استبعاد إيران من النظام المصرفي العالمي وضرب نشاطها التجاري وخسارتها مليارات الدولارات من عائدات النفط. ويشير كلاوسون في الكلمة التي ألقاها أمام “لجنة الخدمات المصرفية والإسكان والشؤون الحضرية في مجلس الشيوخ الأميركي” إلى أنه جاء الوقت المناسب لإحداث صدمة أخرى، لإيران من خلال الإظهار أنّه بما أنّ الاقتصاد العالمي لا يحتاج إلى نفطها، فإن الولاياتالمتحدة على استعداد لاتخاذ إجراءات أشد صرامة ضدها ما لم يتم حل الجمود في الملف النووي. لقد تلاشى تأثير الجولات الأخيرة من العقوبات، لذلك تحتاج الولاياتالمتحدة إلى تطبيق جولة جديدة من العقوبات لتظهر أنّها لم “تنفد منها”.