التدرع بمسوح الرهبان واسمال الاتقياء جناية وخدعة غابرة, يسبل المدعي ستار على ذاته, يزين مظهره الخارجي بفسيفساء الاخلاق البهية الندية, فتبرق كنجم لامع يجذب انتباه المحيطين, وببريقها الفريد المشع ككوكب دري, يحيك حجابا غليظا يغطي سوءته, وبهذا يتسلق الدرجات صعودا, فيعرج نحو الاعالي حتى اذا أحس من نفسه التمكن والرسوخ, كشف الغطاء الشفاف, وأبدى عن أنياب الغول المحتشدة في فكه, وراح يغبن أهل الحق ويضع عليهم أغلال القهر, حتى ترسف أقدامهم في مقامع الفقر والبطالة, ويغرقوا في ضحالة اليأس والنكد. والجدير بالذكر ان التلون قديما قدم الانسان, فهو ليس صنع اليوم أو امس, يتلون صاحبه كحرباء, تتشكل الوان قزح على جلده في الدقيقة الواحدة أكثر من مرة حسب الحاجة, والمحير في الامر ان وجه صاحبه لا يتغضن أو يتعفن من قناعه الباهت, كما لا يمل من التصاقه الدؤوب بمحياه, والاشد حيرة أن هناك في أعماق نفوسنا يرقد تصور أن الحقيقة التي تقبع في غور صاحبه مغايرة تماما لشرنقته الكلسية الظاهرة, مع ذلك ندع الامور على عواهنها كدئبنا في سائر شؤون حياتنا أما متذرعين بالقدر, أو عاجزين عن جبهه بالحقيقة, والعجز هنا لا يعني بالتحديد الخوف فقد يكون الكسل المكبل لطاقتنا الخلاقة أو قد يكون التسويف العامل الناخر في صلب العود الجمعي, وبذا نزجي له منحة سنية, يستثمرها ويناور وكل دقيقة تنصرم تصب في مصلحته, وتقربه من رأيتها في أعلى القمة, وعلى العكس تضيق فرصنا المتاحة, وتنكمش مساحة الانتقاد حتى تغدو كسم الخياط ولات الساعة ساعة مندم, حينئذ وبعد أن امتلئ خواءه بعبق الشذا الغريب على نفسه, سيصبح من المحال سماعه لنداء الحق وقد تربع سدة العلو, ستبح أصواتنا وتتقطع نياط قلوبنا كي يسمع ولا ولن يرعوي لحرف, وبطبيعة الحال سننتقل الى مربع أخر أشد نكاية في نظرنا كي نلفت نظرة, وكذلك لن يألينا الا ولاذمة, وبما أن أصواتنا تحجرت حروفها على مشارف أفواهنا, عندئذ بالطبع حين يبلغ السيل الزبى سنقابلها بدمائنا المهراقه من عتاولته حتى تجري كالانهار ويبلغ زباها نعوف الوديان, وبه ستتآكل أسس قمته حتى يخر غريقا في دمائنا بعد أن أفنانا أو كاد .
والمشهد السياسي العربي يعد بيئة حاظنة الى حد بعيد لتنامي ظواهر كهذه, وكما لايخفى على الجميع فقد تربعت تلك الفطريات السامة على عروش بلادنا لردح غير يسير, ضخمت أثناء تلك الفترة أرصدتها البنكية, وزرعت البؤس بين ربوع مجتمعاتها, متذرعة بظآلة العائد المالي لتلك البلدان, واليوم بعد ورود تقارير تحدد أرقاما قياسية سلبت من خيرات البلدان الجريحة, تتعرى الحقيقة المقرفة وتتهاوى أقنعة الزيف عن وجوههم ليبرز الجشع في أعفن صورة .
ومع ذلك لازالت تلك الثعالب تراوغ بحرفية ساذجة, نست أو تناست أن الذاكرة الجمعية تدرج ملفاتها السوداء العفنة في زاوية مفردة وتتحين اللحظة المناسبة للأنقضاض عليها في وكورها, وقس مثال على ذلك عفاش فقد أعتق رقبته من الحبل بحصانة بلهاء, تمترس ورائها وظل يمارس ألاعيبه من وراء الكواليس, ولولا توافق هواء الحوثي مع هواه ما لمسنا هذه الصولة الفارغة والتي يعلم الجميع أن مرتكزها ليس كثرة المؤيدين وانما قناطيره المقنطرة المنهوبة من حق الشعب, وأن ينسى أخواننا في الشمال ماحل بهم على يديه وهذا محال, فأني على يقين صلد أن الجنوبيين يذكرون ساديته المنحطه وفساده المنقطع النظير.